مدت في خطاب المؤمنين مدا وحولت مجرى الحديث معهم رويدا رويدا حتى صار كل من ألقي سمعه إليها مليا يسمع في طيها نداء خفيا أن قد فرغنا اليوم من الأعداء جهادا وأقبلنا عن الأولياء تعليما وإرشادا وأن قد طوينا كتاب الفجار وجئنا نفتتح كتاب الأبرار وأن هذه الصفحة الأخيرة من دعوة بني إسرائيل لم تكن إلا طليعة من كتائب الحق تنبئ أن سيتلوها جيشه الجرار أو شعاعة من فجر الهدى سيتحول الزمان بها من سواد الليل إلى بياض النهار ألا ترى الميدان قد أصبح خاليا من تلك الأشباح الإسرائيلية التي كانت تتراءى لك في ظلام الباطل تهاجمها وتهاجمك هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا أو لا ترى هذه الأشعة الأولى من شمس الشريعة الإسلامية قد انبعثت يسوق بعضها بعضا أصول جامعة نظرية تتبعها طائفة من فروعها الكبرى العملية ألم يأن لسائر الفروع أن تجيء من خلفها حتى تبلغ الشمس ضحاها هكذا تفتحت الآذان لسماع شرائع الإسلام مفصلة فلو أنها أقبلت علينا الآن عدا وسردا ما حسبنا الحديث عنها حديثا مقتضبا لكن القرآن قد وضع على أدق الموازين البيانية وأرفقها بحاجات النفوس لم يشأ أن يهجم على المقصود مكتفيا بهذا التمهيد بل أراد أن يقدم بين يديه شقة تستجم النفس فيها من ذلك السفر البعيد وتأخذ أهبتها لرحلة أخرى إلى ذلك المقصد الجديد فانظر فيما يلي المدخل إلى المقصد الثالث في خمس عشرة آية نيف وعشر من الآيات الكريمة هي بمثابة الدهليز بين الباب والدار يقطعها السائر في خطوات ثلاث الخطوة الأولى تقرير وحدة الخالق المعبود الخطوة الثانية تقرير وحدة الأمر المطاع الخطوة الثالثة