ونبههم إلى أن من قضية توحيدهم لله أن ينزلوا على حكمه فيما أحل لهم قياما فيه بشريعة الشكر كما نزلوا على حكمه فيما حرم عليهم قياما فيه بشريعة الصبر يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون فانظر كيف كان خطاب الناس عامة بهذا الأصل ولو أحقه توطئة لخطاب المؤمنين خاصة به وبما سيتلوه من الأحكام كما أن خطاب الناس عامة بأركان الإسلام في صدر السورة كان توطئة لما تلاه من خطاب بني إسرائيل خاصة بدعوتهم إلى الدخول فيه قلبا وقالبا هل ترى أحسن من هذا النسق المتقابل المتعادل والآن وقد أخذت النفس أهبتها لتلقي سائر الأوامر والنواهي انظر كيف خطا إليها الخطوة الثالثة والأخيرة الخطوة الأخيرة إجمال الشرائع الدينية وترى فيها عجائب من صنعة النسق انظر إلى حسن التخلص في ربطه بين المقصد القديم والمقصد الجديد على وجه به يتصلان لفظا وبه ينفصلان حكما فهو في جمعها لفظا كأنه يضع إحدى قدميك عند آخر الماضي وثانيتهما عند أول المستقبل ولكنه في تفريقها حكما بأداتي النفي والاستدراك كأنما يحول قدميك جميعا إلى الأمام ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن يقول إن مسألة تعيين الأماكن والجهات في مظاهر العبادات تلك المسألة التي شغلت بال المخالفين والمؤالفين نقدا وردا ليست هي كل ما يطلب الاشتغال به من أمر البر بل هي شعبة واحدة من جملة الشعب التي تشتمل عليها خصلة واحدة من جملة خصاله وإنما البر كلمة جامعة لخصال الخير كلها نظرية وعملية في معاملة المخلوق وعبادة الخلق وتزكية الأخلاق فبتلك الخصال جميعها فلتشغل المؤمنون المصادقون