تذكارا خالدا لتلك الأحداث الأولى وهكذا كان القرآن الحكيم مرآة صافية نطالع فيها صور الحقائق من كل لون نقتبسها طورا من تصريح تعبيره وطورا من نهجه وأسلوبه في تعجيل البيان أو تأخيره ثم كانت هذه الآيات الفاصلة في الوقت نفسه درسا عمليا في صبر المتعلم على أستاذه لا يعجله بالسؤال عن أمر في أثناء حديثه ولكن يتلبث قليلا حتى يحدث له منه ذكرا في ساعته الموقوتة وهكذا لن يطول بنا الانتظار حتى نرى أحكام الحج والعمرة تجيء في إثر ذلك على شوق وظمأ فتشبع وتروى بالبيان الشافي الوافي وبتمام هذا البيان تتم الحلقة الأولى من الأحكام أعني فريضة الصبر في البأساء والضراء وحين البأس استجمامة وشاءت حكمة الله وتلطفه بنا في تربية نفوسنا على طاعة أمره ألا يصعد بنا إلى الحلقة الثانية من فورنا هذا ولكن بعد استرواحة فيها شيء من الموعظة العامة يثبت بها القلوب على ما مضى ويوطئ لها السبيل إلى ما بقي وكان من حسن الموقع لهذه الموعظة العامة أنها اتصلت بالموعظة الخاصة التي ختم بها حديث الحج والتي قسمت الناس من حيث آمالهم ومطامحهم إلى فريقين فريق يطلب خير الدنيا ولا يفكر في أمر الآخرة وفريق لا تنسيه دنياه مصالح أخراه فجاءت الموعظة العامة تقسم الناس من حيث ما فيهم من خلق الأثرة أو الإيثار إلى فئتين فئة لا تبالي أن تضحي في سبيل أهوائها بحياة العباد وعمران البلاد وفئة على العكس من ذلك لا تضن أن تضحي بنفسها في سبيل مرضاة الله وتخلص الآيات الحكيمة من هذا التقسيم إلى توجيه النصح للمؤمنين بأن يخلصوا نفسهم من شوائب الهوى ويستسلموا بكليتهم لأوامر الله دون تفريق بين بعضها وبعض محذرة إياهم من الذلل عنها بعد أن هدوا إليها ووقفوا عليها معزية لهم عما قد