لآداب البذل تارة أخرى ثم ينساق الحديث من فضيلة التضحية والإيثار التي هي أسمى الفضائل الاجتماعية إلى رذيلة الجشع والاستئثار التي هي في الطرف المقابل أحط أنواع المعاملات البشرية أعني رذيلة الربا التي تستغل فيها حاجة الضعيف ويتقاضى فيها المحسن ثمن المعروف الذي يبذله وكان هذا الاقتران بينهما في البيان إبرازا لمدى الافتراق بين قيمتهما في حكم الضمائر الحية وبين هذين الطرفين المتباعدين يقيم القرآن ميزان القسط في الحد الأوسط جاعلا لصاحب الحق سلطانا في المطالبة برأس ماله كله لا ينتقص منه شيء لا تظلمون ولا تظلمون غير أنه يحذرنا من سوء استعمال هذا الحق بإزاء المعسرين فيأمرنا أن نتخذ فيهم إحدى الحسنيين إما الانتظار إلى الميسرة وإما التنازل لهم نهائيا عن الدين وهذه أكرم وأفضل وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ولما كان الطابع البارز في هذا التشريع القرآني وهو طابع القناعة والسماحة قد يوحي إلى النفوس شيئا من التهاون في أمر المال روبما مال بها إلى التفريط في حفظه وتثميره جاءت آيتا الدين والرهان تدفعان عن نفوسنا هذا التوهم وتصوغان للمؤمنين دستورا هو أدق الدساتير المدنية في حفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل تمهيدا لإنفاقها في أحسن الوجوه فمن لم يجد سبيلا إلى التوثيق بوثيقة ما ولم يبق أمامه إلا أن يكل عميله إلى ذمته وأمانته فليؤد الذي اؤتمن أمانته وهكذا ختم الشطر العملي من السورة بهذه القاعدة المثلى التي هي