الشك وتركتها تفترض أسوا الفروض في الواقعة الواحدة والحادثة الفذة من هذه السيرة المكرمة فانك متى وقفت منها على مجموعة صالحة لا تملك أن تدفع هذا اليقين عن نفسك ألا بعد أن تتهم وجدانك وتشك في سلامة عقلك. فنحن قد نرى الناس يدرسون حياة الشعراء في أشعارهم فيأخذون عن الشاعر من كلامه صورة كاملة تتمثل فيها عقائده وعوائده وأخلاقه ومجرى تفكيره و أسلوب معيشته، و لا يمنعهم زخرف الشعر وطلاؤه عن استنباط خليته، و كشف رغوته عن صريحة، ذلك أن للحقيقة قوة غلابة تنفذ من حجب الكتمان فتقرا بين السطور وتعرف في لجن القول، والإنسان مهما أمعن في تصنعه ومداهنته لا يخلو من فلتات في قوله وفعله تتم علي طبعه إذا أحفظ أو اخرج أو احتاج أو ظفر أو حلا بمن يطمئن إليه.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان حالها تخفى على الناس تعلم
فما ظنك بهذه الحياة النبوية التي تعطيك في كل حلقة من حلقاتها مرآة صافية لنفس صاحبها فتريك باطنه من ظاهره وتريك الصدق والإخلاص ماثلا في قول من أقواله وكل فعل من افعاله. بل كان النظر اليه اذا قويت فطنته وحسنت فراسته يرى أخلاقه العالية تلوح في محياه ولو لم يتكلم او يعمل ومن هنا كان ممن شرح الله صدورهم للإسلام لا يسألون رسول الله على ما قال برهانا فمنهم العشير الذي عرفه بعظمة سيرته ومنهم الغريب الذي عرفه بسيماه في وجهه قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه لما قدم رسول الله ﷺ فجئت في الناس لأنظر ان وجهه ليس بوجهه كذاب ) رواه الترمذي بسند صحيح.
والآن قد وفينا لك الوعد بعرض هذه النماذج من السيرة النبوية نعود الى تقرير ماقصدناه من هذا العرض فنقول ان صاحب.