أم تحسب أنهم لما وجدوا أرض مكة مقفرة من علماء الدين والتاريخ في عهد البعثة المحمدية عمدوا إلى رجل من أولئك العلماء في المدينة أو في الشام أو غيرهما فنسبوا ذلك التعليم إليه كلا إن ألسنتهم لما تطاوعهم على النطق بهذه الكلمة أيضا فمن ذا إما لا لقد وجدوا أنهم مضطرين أن يلتمسوا شخصا يتحقق فيه شرطان أحدهما أن يكون من سكان مكة نفسها لتروج عنهم دعوى أنه يلاقيه ويملي عليه بكرة واصيلا وثانيهما أن يكون من غير جلدتهم وملتهم ليمكن أن يقال إن عنده علم ما لم يعلموا وقد التمسوا هذه الأوصاف فوجدوها أتدري أين وجدوها في حداد رومي نعم وجدوا في مكة غلاما تعرفه الحوانيت والأسواق ولا تعرفه تلك العلوم في قليل ولا كثير غير أنه لم يكن أميا ولا وثنيا مثلهم بل كان نصرانيا يقرأ ويكتب فكان من أجل ذلك خليقا في زعمهم أن يكون أستاذا لمحمد وبالتالي أستاذا لعلماء اليهود والنصارى والعالم أجمعين ولئن سألتهم هل كان ذلك الغلام فارغا لدراسة الكتب وتمحيص أصيلها من دخيلها ورد متشابهها إلى محكمها وهل كان مزودا في عقله ولسانه بوسائل الفهم والتفهيم لعرفت أنه كان حدادا منهمكا في مطرقته وسندانه وأنه كان عامي الفؤاد لا يعلم الكتاب إلا أماني أعجمي اللسان لا تعدو قراءته أن تكون رطانة لا يعرفها محمد ولا أحد من قومه لكن ذلك كله لم يكن ليحول بينه وبين لقب الأستاذية الذي منحوه إياه على رغم أنف الحاسدين هكذا ضاقت بهم دائرة الجد فما وسعهم إلا فضاء الهزل وهكذا أمعنوا في هزلهم حتى خرجوا عن وقار العقل فكان مثلهم كمثل من يقول إن العلم يستقى من الجهل وإن الإنسان يتعلم كلامه من الببغاء وكفى بهذا هزيمة وفضيحة لقائله لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا