ومثل هذه دواؤه عندنا نصح نتقدم به إليه أن يطيل النظر في أساليب العرب وأن يستظهر علىفهمها بدراسة طرف من علوم الأدب حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني ويستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته ثم ينظر في القرآن بعد ذلك وأنا له زعيم بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره وستحل عن نفسه عقدة من عقد الشك في أمره إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة وإحسانا في تصريف القول وامتلاكا لناصية البيان ازداد بقدر ذلك هضما لنفسه وإنكارا لقوته وخضوعا بكليته أمام أسلوب القرآن وهذا قد يبدو لك عجيبا أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه ولكن لا عجب فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه لا يزيدك العلم بها والوقوف على أسرارها إلا إذعانا لعظمتها وثقة بالعجز عنها ولا كذلك صناعات الخلق فإن فضل العلم بها يمكنك منها ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها ومن هنا كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون فإن أبى المغرور إلا أصرارا على غروره وكبر عليه أن يقر بعجزه وقصوره دعوناه إلى الميدان ليجرب نفسه ويروز قوته وقلنا له أخرج لنا أحسن ما عندك لننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين غير أننا نعظه بواحدة أخرى ألا يخرج على الناس ببضاعته حتى يطيل الروية ويحكم الموازنة وحتى يستيقن الإحسان والإجادة فإنه إن فعل ذلك كان أدنى أن يتدارك غلطه ويواري سوءته وإلا فقد أساء المسكين إلى نفسه من حيث أراد الإحسان إليها وإن في التاريخ لعبرا تؤثر عن أناس حاولوا مثل هذه المحاولة فجاءوا في معارضة القرآن بكلام لا يشبه القرآن ولا يشبه كلام أنفسهم