مضت السنة فيمن بعدهم من أعدا ءالقرآن إلى يوم يومنا هذا وأما الثالث فإنه لو كان عجزهم عن مضاهاة القرآن لعارض أصابهم حال بينهم وبين شيء في مقدورهم لما استبان لهم ذلك العجز إلا بعد أن يبسطوا ألسنتهم إليه ويجربوا قدرتهم عليه لأنه ما كان لامرئ أن يحس بزوال قدرته عن شيء كان يقدر عليه كقدرته على القيام والقعود إلا بعد محاولة وتجربة ونحن قد علمنا أنهم قعدوا عن هذه التجربة ولم يشرع منهم في هذه المحاولة إلا أقلهم عددا وأسفههم رأيا فكان ذلك آية على يأسهم الطبيعي من أنفسهم وعلى شعورهم بأن عجزهم عنهم عجز فطري عتيد كعجزهم عن إزالة الجبال وعن تناول النجوم من السماء وأنهم كانوا في غنى بهذا العلم الضروري عن طلب الدليل عليه بالمحاولات والتجارب على أنهم لو كانوا لم يعرفوا عجزهم عن بادئ ذي بدء وإنما أدركهم العجز بعد شعورهم بأنه في مستوى كلامهم لكان عجبهم إذا من أنفسهم كيف عيوا به وهو منهم على طرف الثمام ولجعلوا يتساءلون فيما بينهم أي داء أصابنا فعقد ألسنتنا عن معارضة هذا الكلام الذي هو ككل كلام أو لرجعوا إلى بيانهم القديم قبل أن يصيبهم العجز فجاءوا بشيء منه في محاذاته ولكنهم لم يجيئوا فيه بقديم ولا جديد وكان القرآ، نفسه هو مثار عجبهم وإعجابهم حتى إنهم كانوا يخرون سجدا لسماعه من قبل أن تمضي مهلة يوازنون فيهابينه وبين كلامهم بل إن منهم من كان يغلبه هذا الشعور فيفيض لسانه اعترافا صحيحا ما هذا بقول بشر فإن قال قد تبينت الآن أن سكوت الناس عن معارضة القرآن كان عجزا وأنهم وجدوا في طبيعة القرآن سرا من أسرار الإعجاز يسمو به عن قدرتهم ولكني لست أفهم أن ناحيته اللغوية يمكن أن تكون من مظان هذا السر لأني أقرأ القرآن فلا أجده يخرج عن معهود العرب في لغتهم العربية فمن حروفهم ركبت كلماته ومن كلماتهم ألفت جمله وآياته وعلى مناهجهم في التأليف جاء تأليفه فأي جديد في مفردات القرآن لم يعرفه