والثاني يدل على الإختلاف والتغاير: فمن معطل، ومن مشبه، ومن مجسم، ومن مولد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وما وراء هذين الوصفين فيها باطل. (وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) يدلك على ذلك قوله تعالى في السورة: (إِن يَتَبِعونَ إِلا الظَنّ وَما تَهوى الأَنفُس وَلَقَد جاءَهُمُ مِن رَبِهِمُ الهُدى).
وقد جمعت هذه الأحرف التي تكتب بالواو في كلام فقلت: بهداية مثل المشكاة وإقام الصلاة بالعشي الغداة وإيتاء الزكاة وإجتناب الربا ومناة تحصل للعبد النجاة وطيب الجياة.
والحمد لله.
وظهور الواو في الخط يدل على أن معاني هذه الحروف ظاهرة في الإدراك من جهة إعتبار الملك.
وبطون الألف يدل على أن مساواة قسمي الوجود في المعنى باطن في الإدراك فافهم.
وكذلك كل كلمة ثلاثية لامها في اللفظ ألف فإنه إن كان أصلها الياء كتب بالياء لأن معناها يكون أبدا من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك من استواء القسمين فيه.
وإن كان أصلها الواو كتبت بالألف لأن معناها يكون أبدا من جهة استواء القسمين ظاهرا في الإدراك مثلك رمى ودعا. فالياء من رمى تدل على أن معناه من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك. وأن إستواء القسمين فيه باطن في الإدراك. والألف من دعا تدل على أن استواء قسمي الوجود في معنى الدعاء ظاهر في الإدراك وأن خصوصوه بقسم الملك منه باطن في الإدراك وإنما انقلب لأجل الغيبة. فإن الحضور أصل و الغيبة حال عارضة ولهذا ترد الفعل إلى نفسك التي هي حاضرة. فإن ظهر الحرف بالياء فأصله الياء. وإن ظهر بالواو فأصله الواو.
وقد تكون كلمة من ذوات " الواو أو الياء " ويكون معناها من جهة استواء القسمين ظاهرا في الإدراك وفي تلك الكلمة بعينها يكون الأصل من جهة الملكوت أظهر في العلم فكتبت بالياء مثل حرفين كتبا بالياء على الأصل وهما: (ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأَى) و (ما زاغَ البَصَرُ وَما طَغى) فتأكدت في شهود الحق كما دل عليه حرف التحقيق والقسم (لَقَد رَأَى) فهذان الحرفان على غير حال رؤية الأبصار مثل: (فَلَما رَءا قَميصَهُ). (فَلَما رَءا أَيديهِم لا تَصِلُ إِليهِ نَكِرَهُم) فإِنها من جهة أصل معناها ملكوتية و من جهة المشاهدة الحسية هي ملكية فاستبوى معناها في قسمين الوجود للإدراك فثبت الألف، فيجتمع ألفان، فيحذف الآخر لأنه لا يجتمع ألفان في الفم فلا يجتمعان في الخط كما ذكرناه قبل.
ومثل أحرف كتبت بالياء وأصلها الواو وهي: (والأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحاها) وذلك أن دحو الأرض وطحوها باطن لم ندركه حساحين الأثر لأنه قبل كوننا منها. فهو ملكوتي. وضحى الشمس كلي غير مختص بجزئي معين. وكذلك تلو القمر ليس ما نحس إذ نحس تلو كل واحد منهما الآخر فهو معتبر من جهة ملكوتية. فجهة الملكوت في هذه الأحرف في هذه المواضع بعينها أظهر في الإدراك.
ومثل: (إِنّا لَمّا طَغا الماءُ) كتب بالألف فظهور الألف فيه يدل على استواء قسمي الوجود في معناه فهو على خلاف حال فرعون (إِلى فِرعونَ إِنّهُ طَغى) لأن هذا يعتبر من جهة نفسه ومن جهة أفعاله وجهة النفس الباطن أظهر في الإدراك.
ومثل الزنا فإنه ملكي للمباشر ملكوتي لغيره. فاستوى معناه في قسمي الوجود وبطن في الفهم اختصاصه بالملكوت الذي هو أصله الياء وملكي من حيث ألفيا فيه سيدها عيانا. فاستوى معناه في القسمين فكتب بالألف فهو بخلاف (لَدى الحَناجِرِ كاظِمين) لأنه باطن.
وما زاد على الثلاثي مما كان اعتبار معناه من جهة قسم الملكوت أظهر في الإدراك من استواء القسمين في معناه فإنه يكتب بالياء وإن كان أصله الواو مثل: أعطى وأوصى ومصفى " واصطفاه " والتورية. وما كان اعتبار معناه من جهة استواء القسمين فيه أظهر فإنه يكتب بالألف مثل: (فَأَحيا بِهِ الأَرضَ مِن بَعدِ مَوتِها).
وفي سورة الأعلى: (ثُمّ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيا) لأن ملكه وملكوته سواء في معناه فإنه خطاب الله تعالى وإخباره عن ملكه. وذلك لا يختلف فيه القسمان. فهو على خلاف الحرف الذي في طه: (فَإنّ لَهُ جَهَنَم لا يَموتُ فيها وَلا يَحيا) كتب بالياء لأنه ملكوتي حيث أخبروا به فرعون في موطن " الدنيا وهو " صفة أخروية.


الصفحة التالية
Icon