فأولها في سورة النساء (فَمالِ هَؤلاءِ القَوم). " هؤلاؤء القوم المشار إليهم في الآية هم الفريق الذين نافقوا من القوم الذين قيل لهم: (كُفوا أَيدِيَكُم وَأَقيموا الصَلاة) قطعوا وصل السيئة بالحسنة في الإضافة إلى الله ففرقوا بينهما كما أخبر الله سبحانه عنهم. والله قد وصل ذلك وأمر به في قوله: (قُل كُلٌ مِن عِندِ اللَه) فقطعوا في الوجود ما أمر الله به أن يوصل بقطع لام وصلهم في الخط علامة لذلك وفيه تنبيه على أن الله يقطع وصلهم بالمؤمنين وذلك في يوم الفصل. (يَومَ يَقولُ المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ لِلذَينَ آَمنوا انظرونا نَقتَبِس مِن نورِكُم).
والثاني في سورة الكهف: (وَيقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هَذا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً) هؤلاء قطعوا بزعمهم وصل جعل " الموع " لهم بوصل إحصاء الكتاب وعدم مغادرته لشيء من أعمالهم في إضافتها إلى الله.
فلذلك ينكرون على الكتاب في الآخرة. ودليل ذلك ظاهر من سياق خبرهم في تلك الآيات من الكهف.
والثالث في سورة الفرقان: (وَقالوا مالِ هَذا الرَسولِ يَأكُلُ الطَعام) قطعوا وصل الرسالة بأكل الطعام. فأنكروا فقطعوا قولهم: (هَذا الرَسول) عَن اعتقادهم أنه رسول فقطع " اللام " علامة لذلك.
والرابع في المعارج: (فَمالِ الَّذَينَ كَفَروا قِبَلَكَ مُهطِعين) هؤلاء الكفار تفرقوا جماعات مختلفات كما يدل عليه قولهم: (عنِ اليَمينِ وَعَنِ الشِمالِ عَزيز). وقطعوا وصلهم في قلوبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقطع الله طمعهم في دخول الجنة. ولذلك قطعت اللام علامة عليه.
ومن ذلك: ابن أمّ في الأعراف مفصول على الأصل وفي طه: (يابنَؤُمّ) موصول. وذلك علامة تعريف لمعنى لطيف. وهو أنه لما أخذ موسى برأس أخيه اعتذر له فناداه من قرب على الأصل الظاهر في الوجوه. ولما تمادى ناداه بحرف النداء ينبهه لبعده عنه في الحال لا في المكان مؤكدا لوصلة الرحم بينهما بالرباط فلذلك وصل في الخط. ويدلك عليه نصب الميم ليجمعهما الإسم بالتعميم.
ومن ذلك ستة أحرف لا توصل بما بعدها وهي: الألف و الواو والدال والذال والراء والزاي لأنها علامات لانفصالات ونهايات. وسائر الحروف توصل في الكلمة الواحدة.
؟فصل من ذلك في حروف الإذغام: (عَن ما نُهُوا عَنه) فرد أظهر فيه النون وقطع عن الوصل، لأنّ معنى " ما " عموم كلي تحته أنواع مفصلة في الوجود غير متساوية في حكم النهي عنها.
ومعنى " عن " المجاوزة و المجاوزة للكلي مجاوزة لكل واحد من جزئياته. ففصل علامة لذلك.
ومن: (مِن ما) ثلاثة أحرف مفصولة لا غير.
أحدها في النساء: (فمِن ما مَلَكَت أَيمانُكُم).
وفي الروم: (هَل لَكُم مِن ما مَلَكَت أَيمانُكم).
وفي المنافقين: (وَأنفِقوا من ما رَزقناكُم).
وحرف " ما " في هذه كلها مقسم في الوجود بأقسام منفصلة غير متساوية في الأحكام.
فهذه على غير حال: (مِمّا كُتِبَت أَيديهِم) فإنها وإن كانت تحتها أقسام كثيرة فهي غير مختلفة في وصفها بكتب أيديهم فهو نوع واحد يقال على معنى واحد من تلك الجهة هو في أفراده بالسوية. فافهم وتدبر القول.
وكذلك: (أَم مَن) بالحجز أربعة أحرف لا غير.
في النساء: (أَم مَن يكونُ عَلَيهِم وَكيلا).
و في التوبة: (أَم مَن أُسّس بنيانه).
وفي الصافات: (أَم مَن خَلَقنا).
وفي السجدة: (أَم مَن يَأتي آمَنا).
فهذه الأحرف الأربعة حرف " من " فيها مقسم مفصول في الوجود بأنواع مختلفة في الأحكام.
وليس كذلك غيرها مثل: (أَمَن يَمشي سَويا).
فهذا من موصول أن " من " نوع واحد من حيث يمشي على صراط مستقيم.
كذلك: (أَمّن جَعَل الأَرضَ قَراراً) لا تفاصيل تحتها في الوجود. فافهم.
وكذلك: (عَن مَن) مفصول حرفان.
في النور: (عَن مَن يَشاء).
وفي النجم: (عَن مَن تَولّى).
حرف " مَن فيهِما كلي " وحرف عن للمجاوزة.
والمجاوزة عن الكلي مجاوزة عن جميع جزئياته دون العكس. فلا وصلة بين الحرفين في الوجود، فلا يوصلان في الخط.
وكذلك: (من من) متصل كله لا ينفصل لأن من بفتح الميم جزئي بالنسبة إلى " ما " فمعناه أزيد من جهة المفهوم ومعنى " ما " أزيد من جهة العموم، والزائد من جهة " العموم " ينفصل وجودا بالحصص، والحصة منه لا ينفصل والزائد من جهة المفهوم لا يتفصل وجودا. فافهم.


الصفحة التالية
Icon