فعدم بعثهم تصوروه من أنفسهم وحكموا به عليها توهما. فهو كاذب من حيث حكموا به على مستقبل الآخرة. فلكونه حقا بالنسبة إلى دار الدنيا الظاهرة ثبت التوكيد ظاهرا، وأبدل وأدغم في حرف النفي من حيث الفعل المستقبل الذي هو فيه كاذب.
وكذلك: (أَن لا) تثبت النون منها في عشرة أحرف. وذلك حيث ظهر في الوجود صحة توكيد القضية ولزومها.
أولها في الأعراف: (أَن لا أَقولَ عَلى اللَهِ إِلاّ الحَقّ) و (أن لا يَقولوا عَلى اللَهِ إِلا الحَق).
وآخرها في سورة القلم: (أَن لا يَدخُلَنّها اليَومَ عَلَيكُم مِسكين) فتأمل كيف صح في الوجود هذا التوكيد الأخير، فلم يدخل عليهم مسكين لكن على غير ما قصدوا وتخيلوا معه. فافهم.
وكذلك لام التعريف المدغمة في اللفظ في مثلها أو في غيرها لما أتت للتعريف وشأن المعرف أن يكون أبين وأظهر لا أخفي وأستر أظهرت في الخط ووصلت بالكلمة لأنها صارت جزءا منها من حيث هي معرفة بها هذا هو الأصل.
وقد حذفت حيث يخفى معنى الكلمة مثل " اليل " فإنه معنى ظلم لا يوضح الأشياء بل يسترها ويخفيها وكونه واحدا إما " لجزئي وإما للجنس " فأخفى حرف تعريفه مثله، فإن تعين الجزئي بالتأنيث رجع إلى الأصل.
ومثل: (الذي) و (التي) وتثنيتهما وجمعهما. فإنه مبهم في المعنى والحكم لأن واحدة للجزئي وللجنس وكثيره لثلاثة أو غيرها. ففيه ظلمة الجهل كاليل.
ومثل: (ألاّ) في الإيجاب. فإن لام التعريف دخلت على لا النافية وفيها ظلمة العدم كالليل. ففي هذه الظلمات يخفى حرف التعريف فافهم.
وكذلك " :(الأيكة) نقلت حركة همزتها على لام التعريف وسقطت همزة الوصل " التحريك " اللام وحذف الألف عند الهمزة ووصل اللام فاجتمعت الكلمة فصارت (ليكة) علامة على اختصار و " تلخيص " وجمع في المعنى وذلك في حرفينز أحدهما في الشعراء، جمع فيه قصتهم مختصرة موجزة في غاية من البيان وجعلها جملة واحدة و هي آخر قصة في السورة. يدلك عليه قوله تعالى في آخرها: (إنّ في ذلك لآية) فأفرد الآية.
والحرف الثاني في ص، جمع الأمم فيها بألقابهم وجعلهم جملة واحدة وهم آخر أمة فيها ووصف الجملة. قال تعالى: (أَولِئِكَ الأحزاب). وليس الأحزاب وصفا لكل منهم، بل هو وصف لجميعهم.
وجاء بالانفصال على الأصل حرفان نظيرا هذين الحرفينز أحدهما في الحجر: (وإِن كانَ أَصحابُ الأَيكَةِ لَظالِِمين) أفردهم بالذكر والوصف.
والحرف الثاني في " ق " :(وَأَصحابَ الأَيكَة). جمعوا فيه مع غيرهم ثم حكم على كل منهم " لا " على الجملة فقال تعالى: (كُلٌ كَذّبَ الرُسُلَ) فحيث يعتبر فيهم التفصيل فصل لام التعريف. وحيث يعتبر فيهم التوصيل وصل للتخفيف.
وكذلك: (لَتّخَذتَ عَلَيهِ أَجراً) حذف الألف ووصل لام التعريف لأن العمل في الجدار قد حصل في الوجود. فلزم عليه الأجر، واتصل به حكما بخلاف لاتّخَذوكَ خَلَيلاً) ليس في وصلة " اللزوم " فافهم.
؟باب حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف حال المعنى.
مثل (وَزادَه بَسطَةً في العِلمِ وَالجِسم).
(وَزادَكُم في الخَلقِ بَصطَة).
(اللَهُ يَبسُطُ الرِزقَ لِمَن يَشاءُ).
(واللَهُ يَقبِضُ وَيَبصُطُ).
فبالسين السعة الجزئية. يدلك عليه التقييد.
وبالصاد السعة الكلية. ويدل عليه معنى الإطلاق وعلوا الصاد مع الجهارة والأطباق.
وكذلك: (فأتوا بِسُورَة).
و (في أي صورة).
(فَضُرِبَ بَينَهُم بِسور).
(وَنُفِخَ في الصور).
بالسين ما " يحصن " الشيء خارج عنه.
وبالصاد ما يضمه منه.
وكذلك: (يَعلَمُ ما يُسِرونَ وَما يُعلٍنونَ).
(وكَانوا يُصرونَ). بالسين من السر.
وبالصاد من التمادي.
وكذلك: (يُسحَبونَ في النار).
و (مِنّا يَصحبون). بالسين من الجر.
وبالصاد من الصحبة.
وكذلك: (نَحنُ قَسَمنا بَينَهُم مَعيشَتَهُم).
(وَكَما قَصَمنا).
بالسين تفريق الأرزاق والإنعام.
وبالصاد " تفريق " بالإهلاك والإعدام. ؟ وكذلك: (وُجوهٌ يَومَئذٍ ناضِرَة إِلى رَبِها ناظرِة).
بالضاد منعمة بما تشتهيه الأنفسز وبالظاء منعمة بما تلذ الأعين.
وهذا الباب كثير يكفي منه اليسير.