وينتقض قولهم أيضا بفئة فإنها تلتبس بفيه. فقد وجدت علة الإلتباس وتخلف حكم زيادة الألف للفرق.
ولا يصح أيضا قول من قال للفرق بينها وبين مية لأن مية لم يأت في القرآن وينعكس قوله بالمائتين وينتقض بفية كما تقدم.

فصل


في الألف الناقص من الخط
كل ألف تكون في كملة لمعنى له تفصيل في الوجود إذا اعتبر ذلك من جهة ملكوتية أو صفة حالية أو أمور علوية مما لا يدركه الحس فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك.
وإذا اعتبر من جهة ملكية أو صفة حقيقية في العلم و أمور سفلية ثبت الألف.
واعتبر ذلك في لفظتي القرآن والكتاب. فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب. فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل.
قال الله تعالى في هود: (الرَ كِتابٌ أُحكِمَت آَياتُهُ ثُمّ فُصِلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبير).
وقال في فصلت: (كِتابٌ فُصِلَت آَياتُهُ قُرءاناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعلَمون) وقال تعالى: (إِنّ عَلَينا جَمعَهُ وَقُرءَانَهُ فَإِذا قَرأَناهُ فاتَبِع قُرءانَه) ولذلك ثبت في الخط ألف القرآن وحذف ألف الكتاب.
وقد حذف ألف القرءان في حرفين هو فيهما مرادف للكتاب في الإعتبار. قال الله تعالى في يوسف: (إِنّا أَنزَلناهُ قُرءاناً عَرَبياً).
وفي الزخرف: (إِنّا جَعَلناهُ قُرءاناً عَرَبِيا) والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله.
وقال بعد ذلك في كل واحد منهما: (لَعَلَكُم تَعقِلونَ) فعربيته هي من الجهة المعقولة.
وقال في الزخرف: (وَإِنّهُ في أَُمِ الكِتابِ لَدينا لَعَليٌ حَكيم).
وكذلك ثبت ألف الكتاب في أربعة أحرف هي مقيدة بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي.
أحدها في الرعد: (لِكُلِ أَجلٍ كِتاب) هذا الكتاب هو كتاب الآجال فهو أخص من الكتاب المطلق والمضاف إلى إسم الله. وفي الحجر: (وَما أَهلَكنا مِن قَريَةٍ إِلاّ وَلَها كِتابٌ مَعلوم) هذا الكتاب هو كتاب إهلاك القرى، وهو أخص من كتاب الآجال.
وفي الكهف: (وَاتلُ ما أُوحيَ إٍليكَ مِن كِتابِ رَبّكَ) هذا الكتاب هو أخص من الكتاب الذي في قوله تعالى: (اُتلُ ما أُوحِيَ إِليكَ مِن الكِتاب) لأنه أطلق هذا وقيد ذلك بالإضافة إلى الإسم المضاف إلى معين في الوجود. والذي هو أخص أظهر تنزيلا.
وفي النمل (تِلكَ آَياتُ القُرآنِ وَكِتابٍ مُبين) هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن والقرآن جاء تابعا للكتاب كما قد تبين لك. وكما جاء في الحجر: (تِلكًَ آَياتُ الكِتاب وَقُرآنٍ مُبين) فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي فهو تفصيل " الكتاب الكلي بجوامع " كليته " والله أعلم.
وكذلك حذفت الألف من (بِسمِ اللَهِ) تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده، وأن عنه انفصلت الأسماء " فهو كليها " يدلك عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلها وأولها. ولذلك لم يتسم بهذا الإسم غير الله. قال الله تعالى: (هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيّا) وسائر أسماء الله ظهرت التسمية بها في المخلوقات، فأظهر ألف الإسم معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود.
وحذف الألف الذي قبل الهاء من إسم (اللَهَ) وأظهرتب التي مع اللام من أوله دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان والباطن من جهة الإدراك والعيان.
وحذفت الألف التي قبل النون من اسمه (الرَحمن) حيث وقع بيانا لأنا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود فلا نفرق في علمنا بين الوصف والصفة. وإنما الفرقان في التسمية والإسم لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسميةب بل نؤمن بها إيمانا مفوضا في علم حقيقتها إلى الله لا على ما يرتسم في نفوسنا بالوهم الكاذب والخيال الشعري، لأنه لا يعلم الله إلا الله فلا " نشبه " لأنه ليس كمثله " شيء " ولا نعطل لأنه هو اللطيف الخبير، وهو السميع البصير. فلذلك كتب الإسم على العلم لا على التسميةس.
وكذلك حذفت ألف كثيرمن أسماء الفاعل مثل: (قادِر) و (عالِم) وذلك أن هذه الألف زائدة في وسط الكلمة فهي لمعنى في نفس معنى الكلمة.
فهذه الكلمة لها تفاصيل في معناها إلى وصف وصفة. ولذلك جعل الألف في وسط الكلمة. فما كان منها يدرك فرقانه حقا أو كان سفليا كتب بالألف، وما لا ندركه أو كان علويا شريفا يحذف ألفه.


الصفحة التالية
Icon