هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئٍذ لله) وقوله: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) لا والله، لا والله، لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمداً صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق. لا والله ما استويا ولن يتلاقيل حتى تشيب مفارق الغربان.
فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة، ومن فتن بها عرف غربة الإسلام، وعرف أن العداوة واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا، ليس عند التكفير والقتال، بل هم الذين بدءونا بالتكفير والقتال، بل عند قوله: (فلا تدعوا مع الله أحداً) (سورة الجن، الآية: ١٨)، وعند قوله: (اولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) سورة الإسراء، الآية: ٥٧)، وقوله: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ) (سورة الرعد، الآية: ١٤)، فهذه بعض المعاني في قوله: (مالك يوم الدين) بإجماع المفسرين كلهم، وقد فسرها الله سبحانه في سورة ((إذا السماء انفطرت) كما قدمت لك.
واعلم أرشدك الله أن الحق لا يتبين إلا بالباطل كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
فتأمل ما ذكرت لك ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة لعلك أن تعرف ملة أبيك إبرهيم ودين نبيك فتحشر معهما، ولا تصد عن الحوض يوم الدين، كما يصد عنه من صد عن طريقهما، ولعلك أن تمر على الصراط يوم القيامة، ولا تزل عنه كما زل عن صراطهما المستقيم في الدنيا من زل، فعليك بإدامة دعاء الفاتحة مع حضور القلب وخوف وتضرع.


الصفحة التالية
Icon