فشرابهم الماء الساخن والغسّاق الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل ﴿جزاء وفاقا ﴾ وهذا يوافق ما سلفوا وقدّموا ﴿ إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذّابا﴾، وجرس اللفظ فيه شدّة توحي بشدّة التكذيب وشدة الإصرار عليه، بينما كان الله يحصى عليهم كل شيء وهنا يجيء التأنيب الميئس من كل رجاء في تغيير أو تخفيف ﴿ فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا﴾(١).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن ذكر الله تعالى مشاهد من مشاهد يوم القيامة بين جزاء من كذب بيوم القيامة موضحاً أن تكذيبهم إنما يعود بالضرر عليهم.
٣- ( مشهد التقاة في الجنان)
ثم يعرض المشهد المقابل، مشهد التقاة في النعيم.
﴿ إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأساً دهاقا، لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا، جزاءً من ربك عطاءً حسابا﴾.
إن المتقين ينتهون إلى مفازة ومنجاة، تتمثل في الحدائق والأعناب وكواعب وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت أثداؤهن، وأترابا متوافيات السن والجمال، وكأسا دهاقا ما كان فيه من شراب كلما فرغت ملئت مرة أخرى، فهم في حياة مصونة من اللغو والتكذيب الذي يصاحبه الجدل، ﴿ جزاءً من ربك عطاءُ حساباً ﴾، وتلمح هنا ظاهرة الأناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين ( جزاء) و( عطاء )(٢).
علاقة الآيات بما قبلها:
بعد أن ذكر الله تعالى عاقبة من كذب بيوم البعث بين جزاء من آمن به وصدق به..
رابعا: (قد أعذر من أنذر)
ويشتمل على:
١. موقف المقربين إلى الله.
٢. موقف الذين يتساءلون في ارتياب.
١- موقف المقربين إلى الله:
﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا﴾.

(١) سيد قطب، في ظلال القرآن، دار إحياء التراث، بيروت، م٦، ص٣٨٠٨.
(٢) المرجع السابق، ص ٨٨٠٨.


الصفحة التالية
Icon