ثم يخاطب الله الخلائق أجمع، متحدياً لهم أنهم سواء اظهروا القول أو أخفوه فإنه يعلمه، بل هو مطلع على ما هو أدق من الكلام، فهو مطلع على ما تخفيه الصدور، وهو أعلم بمن اتقاه وخشيه، ومن عصاه ورفض أمره، ثم يسأل الله سؤالاً للإنكار(١)على المتشككين بقدرة الله وهم كفار قريش الذين تهامسوا، أن أخفوا بغضكم لمحمد ولا تجهروا به لئلا يسمعه رب محمد بقوله تعالى :" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" بل إن من خلق العباد أعلم بهم من غيرهم، حتى من أنفسهم، وهو اللطيف بعباده، لطف علمه بمعرفة ما في بواطن الأمور، والخبير الذي لا يعجز علمه شيء من خبايا الأمور وظواهرها على حد سواء، فالسر عنده إعلان.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما ذكر الله مصير أهل الإيمان، أكد بعدها أن حقيقة القلوب الذي تشتمل على الإيمان يعلمها، فهو يعلم من أخلص وصدق، ويعلم من نافق وكذب.
٣. من نعم الله على عباده
"وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
لما بين الله تعالى قدرته ولطفه وعلمه وأنه بكل شيء خبير، أتبع ذلك بذكر دلائل القدرة، وأثار فضله وامتنانه على العباد، فهو الذي جعل الأرض لينة سهله مسالكها، آمراً عباده أن يسافروا حيث استطاعوا من أقطارها، وأرجاءها للمكاسب والتجارات(٢)
وعبر بالأكل هنا عن الإنتفاع بما أنعمه الله عليهم، لأنه الأهم والأعم(٣)، وفي الآية دلالة على وجوب السعي للرزق والأخذ بالأسباب.
علاقة الآيات بما قبلها :
لما أظهر الله علمه ولطفه وأنه بكل شيء خبير، أمتن الله على عباده بمظهر من مظاهر هذا العلم واللطف والخبرة، ألا وهو تمهيد الأرض للسالكين، وذلك يدفع المتأمل إلى الإيمان بالله وحسن عبادته وشكره.
٤. تهديد ووعيد

(١) محمد الشوكاني، فتح القدير دار المعرفة، ج ٥، ص ٣٢٠
(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٣/٥٨٢
(٣) تفسير الآلوسي ٢٩/١٥


الصفحة التالية
Icon