فنشأ مع مدرسة التفسير بالمأثور مدرسة أخرى في التفسير هي تفسير بالاجتهاد وبالاستنباط إما من جهة النظر في اللغة وإما من جهة النظر في النحو، وإما من جهة النظر في أسباب النزول ونحو ذلك، وأولئك الذين فسروا بالرأي يعني بالاجتهاد بالاستنباط منهم المصيب ومنهم المخطئ.
ابن جرير الطبري رحمه الله جمع علوم من قبله في كتابه الذي يعد أعظم كتب التفسير المؤلفة التي وصلت إلينا؛ فإنه جمع فيها ما نُقل في التفسير عن الصحابة بالأسانيد المشهورة عند المفسرين -المرضية عند المفسرين- وأخلى تفسيره من رواية المتهمين بالكذب كما يقوله كثير من أهل العلم، وساق أسانيد ساق أقوال السلف أقوال أهل الأثر بالأسانيد المشهورة التي يتناقلها العلماء عنهم، وذكر أيضا ما نقله أولئك عن الأئمة أو عن العلماء الذين فسروا القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد؛ فترى في تفسير ابن جرير رحمه الله تعالى أنه يورد التفاسير بالمأثور ويورد التفسير بالاجتهاد؛ بل إنه يذكر أحيانا تصويبا لقولٍ من الأقوال مع أنه تسنده قراءة متواترة ويخطئ الأخرى، وذلك مصير منه إلى أن التفسير بالاجتهاد والاستنباط لا بأس به إذا كان عند المفسر بالاجتهاد وبالاستنباط ملكة واكتملت فيه شروط الاجتهاد في التفسير، فإن الاجتهاد في التفسير شروط قد بينها العلماء تأتي في موضعها في مقدمة أصول التفسير إن شاء الله تعالى.
فتفسير ابن جرير يعد الكتاب العظيم في التفسير ترى فيه البحث في القراءات، ترى فيه البحث في اللسان واللغة، ترى فيه الاحتجاج بأبيات العرب على المعاني، ترى فيه المباحث النحوية المختلفة والاحتجاج لأحد الأقوال بقول طائفة من النحاة ونحو ذلك، فالإمام ابن جرير خلط هذه العلوم في تفسيره، ترى فيه البحوث الفقهية عند بعض الآيات.