من ذلك مثلا أن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُ كان يتلو كثيرا سورة النحل على المنبر يوم الجمعة، وذات مرة تلا السورة وتوقّف عند قوله جل وعلا ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٧]، فقال: ما التخوف؟ كأنه لم يظهر له أن التخوف من الخوف، ورام رَضِيَ اللهُ عنْهُ معنى آخر ليكون أكثر دلالة على المعنى المراد في الآية، فقال رجل من هذيل في المسجد: يا أمير المؤمنين التخوف في لغتنا التنقص قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: تخوف الرحل منها
يصف ناقة:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ منها تَامِكًا قَرِدًا | كما تَخَوَّف عُودَ النّبْعَةِ السَّفَنُ |
فإذن يكون أمير المؤمنين عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُ في عدم علمه بتفسير هذه الآية على هذا الوجه من التفسير كان من جرّاء أنه أن هذا اللفظ وهو التخوف كان على لغة هذيل، فسأل عنه رَضِيَ اللهُ عنْهُ.
وهكذا في كثير من الآيات لا يُجزم بأن الصحابة رضوان الله عليهم علموا معنى كل آية أو علموا معنى كل كلمة في كل آية؛ بل ربما لم يعلموا معنى ذلكـ وعلمهم بذلك بالأكثر لكن هذا باعتبار أفرادهم، أما مجموع الصحابة رضوان الله عليهم فهم يعلمون معاني كلام الله جل وعلا فلا يفوت معنى من معاني القرآن على مجموع الصحابة؛ بل العلم بكلام الله جل وعلا محفوظ في كلام الصحابة وما فسر به الصحابة القرآن إنما هو بعض علومهم بالقرآن، فقد ثبت عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عنْهُ أنه قال: ما من آية في القرآن إلا وأعلم معناها وأعلم متى أنزلت وكيف أنزلت وفيما أنزلت. كما رواه البن جرير في مقدمة التفسير ورواه غيره.
وإنما فسّر الصحابة القرآن بحسب الحاجة، إما لحاجة السؤال يأتي السائل ويقول: ما معنى قول الله جل وعلا كذا وكذا؟ وربما فسروه إبداء في كلامهم في ما يعلمون به الناس.