السبب الثاني أنّ أعمق هذه الأمة في فهم اللغة التي نزل بها القرآن هم صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخاصة القرشيين منهم؛ لأن علماء الصحابة كانوا يعتنون بموارد التفسير في اللغة، كما جاء مثلا عن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُ حينما فسر قوله تعالى في سورة النحل ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٧]، قام رجل وقال: يا عمر أو عمر قال: ما التخوف؟ سأل الناس على المنبر؛ لأنه كان يقرؤها يوم الجمعة كثيرا قال: ما التخوف؟ فسكت الناس فقال رجل من هذيل وقال: يا أمير المؤمنين التخوف في لغتنا التنقص، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ منها تَامِكًا قَرِدًا | كما تَخَوَّف عُودَ النّبْعَةِ السَّفَنُ |
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ قال عمر: عليكم بديوان العرب فإن به معرفة كلام ربكم؛ يعني التخوف التنقص، يأخذهم على تخوف يعني يبدؤهم ينقصهم شيئا فشيئا في النعمة مما هم فيه حتى يهلكهم.
عَلِمَ اللغة والصحابة هنا نظروا إلى اللغة ففسرها بذلك.
وهكذا بقية الصحابة ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهُ كان عالما بأشعار العرب، فكان يجلس في منزله في مكة ويصيح غلامه من أراد أن يسأل عن شعر العرب ولغتها فليدخل، فيدخل من يريد أن يسأل عن الأشعار فيجيب ابن عباس رضي الله عنهما وهكذا.
فالاهتمام باللغة هذا أساس التفسير لأن القرآن أنزل اللسان عربي مبين أصح الناس لفهم اللغة هم الصحابة؛ لأن اللحن لا يوجد فيهم ولم يداخلهم العجم ولم تدخلهم العجمة، ولم يتفرقوا في البلاد بمخالطة من ليس من أهل اللغة، فهم أهل اللسان الصحيح، هذا هو السبب الثاني من أن الاعتماد على تفاسير الصحابة يتعيّن وصحة تفاسيرهم في ذلك ظاهرة.