كذلك قوله ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] أراد، ما تقول بكذا، الله سبحانه وتعالى قال ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ والجادة أن أراد تتعدى بنفسها، تقول: أردتُ الشيء، أراد الذهاب، أردتُ الظلم، أردتُ الحق. فلم عداه بالباء؟ هذا معناه أنه أراد معنى الإرادة ومع معنى الإرادة معنى فعل آخر تستنتجه بهذا الحرف المذكور.
ولهذا قال السلف في تفسيره مثلا ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ قال أراد هامّا بظلمٍ، وهذا لأجل عدم التكرير لأجل أن مبنى اللغة على الاختصار، فبدل أن يكرر الفعلين يقول: أراد الظلم وهم بالظلم، أراد الظلم هاما به. هذا يكون فيه تطويل في الكلام.
فإذن العرب عمدة كلامها على الاختصار والقرآن العظيم كلام الله جل وعلا الذي أعجز الخلق أن يأتوا بمثله ولو اجتمعوا جميعا، هذا فيه من أسرار التضمين الشيء الكثير، التضمين علم مهم.
قال ﴿ [وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ] (١) مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ﴾ [آل عمران: ٧٥]، يقولون: الباء بمعنى (على). ليس كذلك. نعم هي المعنى تأمنه على قنطار؛ لكن لماذا أتى بالباء؟ أمنه على الشيء، ما يقال أمنه بالشيء، فمعنى الباء أن هناك كلمة أخرى؛ فعل آخر دخل في كلمة ﴿تَأْمَنْهُ﴾، كيف تستنتجه؟ تذهب إلى الفعل الذي يناسب التعدية بالباء.
وانتبه لهذه القاعدة قاعدة التضمين، وانظر إلى كلام المفسرين فيها والتطبيقات عليها سترى أنها من أعظم الفوائد في التفسير، ولاشك أن علمها يكون بمعرفة حروف المعاني.

(١) الشيخ قال: ومنهم.


الصفحة التالية
Icon