التفسير مثل هذه العلوم التي ذُكرت له مدارس من جهة المدن:
من أحسنها مدرسة التفسير بمكة؛ فإنها أقوى المدارس في التفسير، وذلك لأنهم أخذوا التفسير عن ابن عباس، فابن عباس رضي الله عنهما مكث في مكة سنين طويلة منذ أن ترك عيا رَضِيَ اللهُ عنْهُ في أواخر خلافته إلى أن توفي ابن عباس أو إلى قريب من وافته كان في مكة، ثم في آخر عمره ذهب إلى الطائف؛ يعني أن مدرسته كانت في مكة قوية في التفسير، وكان يفسر القرآن كثيرا في المسجد الحرام وفي بيته وفي سوقه، ويُسأل عن ذلك وعن أخبار عنه بذلك مروية مسندة في غير ما كتاب.
ولهذا صار أهل مكة تميّزوا بمعرفة التفسير؛ بل أكثر التفسير المسند -يعني المنقول بالأسانيد ليس المسند الاصطلاحي أعني المنقول بالأسانيد- أكثره يكون عن أهل مكة، تجد أنه يروى عن ابن عباس عن مجاهد عن أبي الشعثاء عن طاووس عن عكرمة ونحو ذلك من التفسير أكثر من غيرهم، وأهل العلم يفرحون بالتفسير إن جاء عن أهل مكة؛ لأنهم في الغالب أخذوه عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهُ.
يقول: إنّ هذا كله من الأقوال المنقولة. وهذه كلها ليست بمرفوعة، إنما أكثرها يكون موقوفة أو إذا كان مرفوعا كان مرسلا، إذا كان كذلك فليس مجيء الحديث والأسانيد على هذا النحو ليس موجبا لأي منقولة ليست بصدق؛ لأن النقل الصحيح لا يقبل إلا إذا كان نقلا صدق فيه قائله أو القول كان قولا حققه صاحبه.
وهنا تكلم عن الصدق كيف يحصل على الصدق في النقل، الصدق في الإسناد، فذكر أن الصدق يكون بتحقيق الأمرين معا:
أن يحقق أن لا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.
الثاني أن يحقق أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.
لأنه إذا لم يتعمد الكذب ولم يخطئ فليس ثم إلا الثاني يعني أن يكون صادقا فيه.


الصفحة التالية
Icon