فهذا صلة بما سبق الكلام عليه في أصول التفسير، وكلامه فيما سمعنا متصل بتفاسير الناس بعد القرون الثلاثة المفضلة، والتفاسير المنقولة عن الصحابة وعن التابعين وعن تبع التابعين، هذه التفاسير يقلّ أو يندر فيها الغلط، وذلك لأنهم فسروا القرآن، رَعَوْا فيه المتكلم به، وهو الله جل جلاله، ورَعَوْا فيه المخاطب به وهو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورَعَوْا فيه المخاطَبين به أيضا وهم العرب قريش ومن حولهم في أول الأمر أو العرب بعمومهم، وأيضا رَعَوْا فيه اللفظ وراعوا فيه السياق، ولهذا تجد أن تفاسيرهم قد تبتعد في بعض الألفاظ عن المشهور في اللغة؛ لكنها توافق السياق.
أما المتأخرون -يعني ما جاء بعد هذه الطبقات الثلاث- فيكثر في تفاسيرهم الغلط، وجهة الغلط إما أن تكون أن المفسر اعتقد اعتقادات باطلة، كحال أصحاب الفرق الضالة إما المجسمة كمقاتل، أو المرجئة أو المؤولة أو المنكرين للصفات كالجهمية والمعتزلة وما شابه هؤلاء، تجد أنهم فسّروا القرآن ونزّلوه على وفق ما يعتقدون، فجاء الغلط في أنهم قرروا عقيدة عندهم وجعلوا القرآن يفهم على وفق ما يعتقدونه، وهذا نوع من أنواع التفسير بالرأي المذموم، وفي الأصل التفسير بالرأي معناه التفسير بالاجتهاد والاستنباط، والتفسير بالرأي من السلف من منعه أصلا ومنهم من أجازه واجتهد في التفسير وهؤلاء هم أكثر الصحابة، وإذا جاز الاجتهاد فتفسير القرآن بالرأي، فإنما نعني بذالك أن يُفسر القرآن بالاجتهاد الصحيح وبالرأي الصحيح؛ يعني بالاستنباط الصحيح، وأما الرأي المذموم فهو استنباط أو تفسير من ردود، وذلك لعدم توفر شروط التفسير بالرأي فيه.


الصفحة التالية
Icon