والطريقة الأخرى والجهة الأخرى التي دخل الغلط إلى كثير من المفسرين من جهتها أنهم فسّروا القرآن بمجرد احتمال اللفظ في اللغة، وتفسير القرآن بمجرد احتمال اللفظ لمعانٍ، هذا ليس في مراعاة الحال، وقد ذكرنا أنّ من مميزات تفسير الصحابة أنهم رعوا حال المخاطب به ورعوا في تفاسيرهم أسباب النزول ورعوا في تفاسيرهم ما يعلمون من السنة، ورعوا في تفاسيرهم اللغة.
فإذن هم حين يفسرون لا يفسرون بمجرد اللفظ؛ بدلالة اللفظ؛ بل يفسرون بدلالة اللفظ مع العلم الذي معهم وفيما ذكرت ولهذا تجد أن تفاسيرهم في الغالب لا يكون فيه اختلاف أعني اختلاف تضاد؛ بل هي متفقة لأنهم راعوا ذلك الأصل.
أما كثير من المتأخرين فوسّعوا الأمر ففسروا بمجرد احتمال اللفظ في اللغة، واحتمال اللفظ في اللغة الذي جاء في القرآن قد يكون له عدة معاني في اللغة؛ لكن لا يصلح في التفسير إلا واحدا منها، وذلك إما مراعاة لمعنى اللفظ في القرآن، القرآن العظيم ترد فيه بعض الألفاظ في أكثر القرآن أو في كله على معنى واحد، وهذا يكون باستقراء، فتحمل الآية التي فيها اللفظ يحمل على معهود القرآن لا يحمل على احتمالات بعيدة.
لهذا صنف العلماء في ذلك مصنفات بعيدة من الوجوه والنظائر لبيان هذا الأصل فمثلا الخير في القرآن يقول العلماء الأصل فيه أنه المال ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: ٨] ؛ يعني لحب المال. قال ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] ؛ يعني طريقا لتحصيل المال، وهكذا فإذا إذا أتى في آية استعمال لفظ الخير فأول ما يتبادر للذهن أن المراد بالخير المال، فإذا لم بناسب للسياق صرف إلى معنى آخر هذا يسمّى المعهود؛ معهود استعمال القرآن.