أحيانا وفسروا الآية بخلاف حال المخاطبين، تفسر الآية باحتمال لغوي لكن هذا الاحتمال ليس بوارد على حال المخاطبين، مثلا في قوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] فيأتي من يأتي من المفسرين بالرأي فيجعلون سؤالهم عن الآلهة سؤالا فلكيا معقدا، وهم إنما سألوا عن الهلال علم يبدوا في أول الشهر صغيرا ثم يكبر ثم يكبر، وكان سؤالا بسيطا؛ لأن هذه هي حال العرب لم يكن عندهم علم الفلك العلم المعقد، إنما سأله عن أمر ظاهر بيّن، فتفسير سؤالهم بأنه سؤال عن أمر فلكي معقد، هذا لم يرعَ فيه حال أولئك، وإنما فُسِّر بغرائب الأهلة ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ﴾ فيأتي المفسر مثل الرازي وغيره يأتون ينطلقون في الأحوال الفلكية في ذلك.
هذا ليس من المعهود ولا من المعروف في حال الذين سألوا ولا حال العرب الذين نزل القرآن ليخاطبهم أول الأمر.
إذن فهنا حصل الغلط من هذه الجهة.
وهاتان الجهتان لاشك أن الغلط واقع فيهما وكلا الجهتين من التفسير بالرأي؛ لكن الأولى من التفسير بالرأي المذموم الذي توعد فاعله، والثانية من التفسير بالرأي الذي أخطأ من ذهب إليه، فيكون الضابط في التفسير بالرأي أنه فيما اتبع هواه في التفسير صار ذلك من التفسير بالرأي المذموم المردود الذي جاء الوعيد على من قال به، أما التفسير بالرأي الذي يخطئ فيه صاحبه هو ما لم يرعى فيه ما ذكره شيخ الإسلام هنا، وإنما وجهه على أحد الاحتمالات العربية وأخطأ فيما وجه إليه الكلام.