فإذا علمنا أن الطب الحديث توصل إلى إمكانية تحديد نوع الجنين بتدخل منه، بحيث تلقح بويضة المرأة بحيمن ذكري أو أنثوي مسبقاً، كان ما حُجب عن الناس من علم الله، هو غير ما تقدم وهو ما سنبيِّنه.
*****
المطلب الخامس
في
معارضة بعض الآثار وأقوال علماء الأمَّة
لما ورد في التغييب المطلق
إنَّ الأخبار والآثار التي تقدم ذكرها، وقد بانت معانيها، ودرجتها في الاستدلال بمثل هذه المسالة التي هي من المغيبات المستقبلية التي لا يُقال فيها إلا باليقين، وهي معارضةٌ بمثلها من : أخبار، وآثار، وأقوالٍ للعلماء، كالآتي :
أ. أخرج البخاري عن أنس أبن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال :
﴿ إن الله تعالى وكلَّ بالرحِم ملكاً يقول : يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يقضي خلقه قال : أ ذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل ؟، فيكتب في بطن أمه، فحينئذ يُعلم بذلك الملك، ومن شاء الله تعالى من خلقه عز وجل ﴾.(١)
فإذن الذي حجب عن البشر، واستأثر الله بعلمه، هو معرفة نوع الجنين قبل تخليقه. أمَّا بعد تخليقه فإن الله يُطلع على ذلك من شاء من خلقه. وقد يكون إطْلاعهم ظنيَّاً، وقد يكون يقينا.
وقد دلت الآية على أن علم اليقين مختص بالله - عز وجل -، بقي الظن الراجح المجاور لليقين، فلا بُعد في معرفته من الناس، وقد دلَّ عليه الخير.
وكذا قد يعلم الإنسان بنوعه، عند تدخله في تلقيح البويضة بحيمن معين : ذكري أو أنثوي، ويبقى علمه بحقيقة البقاء، أو استمرار الحياة إلى الولادة مجهولاً، أو معرفته بالحيمن الذي يقوم بالتلقيح دون غيره مجهولة ـ في أغلب الأحيان ـ أيضا.
ب. أثر قتادة - رضي الله عنه - المتقدم، الذي حمل به الغيب المحجوب عن بني الإنسان، هو ما كان تفصيلاً لا إجمالاً، وقد تقدم.
ج. ما ذهب اليه الشهاب القسطلاني :
{..

(١) ٩١) الآلوسي – ٢١ / ١١٢.


الصفحة التالية
Icon