منها : بطلان قول من يقول : إنه كلام مخلوق خلقه في جسم / من الأجسام المخلوقة كما هو قول الجهمية الذين يقولون بخلق القرآن من المعتزلة والنجارية والضرارية وغيرهم؛ فإن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال : إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة جهميًا؛ فإن جهما أول من ظهرت عنه بدعة نفي الأسماء والصفات، وبالغ في نفي ذلك، فله في هذه البدعة مزية المبالغة في النفي والابتداء بكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه، وإن كان الجعد بن درهم قد سبقه إلى بعض ذلك.
فإن الجعد بن درهم أول من أحدث ذلك في الإسلام؛ فضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم النحر. وقال : يأيها الناس، ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوًا كبيرًا. ثم نزل فذبحه. ولكن المعتزلة وإن وافقوا جهما في بعض ذلك فهم يخالفونه في مسائل غير ذلك؛ كمسائل القدر والإيمان، وبعض مسائل الصفات أيضًا، ولا يبالغون في النفي مبالغته.
وجهم يقول : إن الله ـ تعالي ـ لا يتكلم. أو يقول : إنه يتكلم بطريق المجاز، وأما المعتزلة فيقولون : إنه يتكلم حقيقة، لكن قولهم في المعنى هو قول جهم، وجهم ينفي الأسماء أيضا، كما نفتها الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة، وأما جمهور المعتزلة فلا ينفون الأسماء.
والمقصود أن قوله :﴿ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾ فيه بيان أنه منزل من الله لا من مخلوق من المخلوقات؛ ولهذا قال السلف : منه بدأ، أي : هو الذي تكلم به لم يبتدأ من غيره، كما قالت الخلقية.
ومنها : أن قوله :﴿ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾ فيه بطلان قول من يجعله فاض على نفس النبي ﷺ من العقل الفعال أو غيره، كما يقول ذلك طوائف من الفلاسفة والصابئة، وهذا القول أعظم كفرًا وضلالا من الذي قبله.


الصفحة التالية
Icon