وأيضًا، فالله ـ تعالى ـ يقول :﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ ﴾ إلى قوله :﴿ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [ النساء : ١٦٣، ١٦٤ ]، ففضل موسى بالتكليم على غيره ممن أوحى إليهم، وهذا يدل على أمور : على أن الله يكلم عبده تكليما زائدًا عن الوحي الذي هو قسيم التكليم الخاص؛ فإن / لفظ التكليم والوحي كل منهما ينقسم إلى عام وخاص، فالتكليم هو المقسوم في قوله :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ﴾ [ الشورى : ١٥ ] والتكليم المطلق هو قسيم الوحي الخاص ليس هو قسما منه، وكذلك لفظ الوحي قد يكون عاما فيدخل فيه التكليم الخاص، كما في قوله لموسى :﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [ طه : ١٣ ] وقد يكون قسيم التكليم الخاص، كما في سورة الشورى، وهذا يبطل قول من يقول : الكلام معنى واحد قائم بالذات؛ فإنه حينئذ لا فرق بين التكليم الذي خص به موسى والوحي العام الذي يكون لآحاد العباد.
ومثل هذا قوله في الآية الأخرى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ﴾، فإنه فرق بين الإيحاء وبين التكليم من وراء الحجاب، وبين إرسال رسول يوحى بإذنه ما يشاء، فدل على أن التكليم من وراء حجاب ـ كما كلم موسى ـ أمر غير الإيحاء.


الصفحة التالية
Icon