واختلافهم في كلام الله ـ تعالى ـ شبيه اختلافهم في أفعاله ـ تعالى ـ ورضاه وغضبه، وإرادته وكراهته، وحبه وبغضه، وفرحه وسخطه ونحو ذلك. فإن هؤلاء يقولون : هذه كلها أمور مخلوقة بائنة عنه ترجع إلى الثواب والعقاب. والآخرون يقولون : بل هذه كلها أمور قديمة الأعيان قائمة بذاته. ثم منهم من يجعلها كلها تعود إلى إرادة واحدة بالعين متعلقة بجميع المخلوقات. ومنهم من يقول : بل هي صفات متعددة الأعيان، لكن يقول : كل واحدة واحدة العين، قديمة قبل وجود مقتضياتها، كما قالوا مثل ذلك في الكلام، والله ـ تعالى ـ يقول :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [ محمد : ٢٨ ] فأخبر أن أفعالهم أسخطته، قال تعالى :﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ الزخرف : ٥٥ ] أي أغضبونا. وقال تعالى :﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [ غافر : ٦٠ ] إلى أمثال ذلك، مما يبين أنه سخط على الكفار لما كفروا، ورضى عن المؤمنين لما آمنوا.
ونظير هذا اختلافهم في أفعاله ـ تعالى ـ ومسائل القدر؛ فإن المعتزلة يقولون : إنه يفعل لحكمة مقصودة، وإرادة الإحسان إلى العباد، لكن لا يثبتون لفعله حكمة تعود إليه، وأولئك يقولون : لا يفعل لحكمة ولا لمقصود أصلا. فأولئك أثبتوا حكمة لكن لا تقوم به، وهؤلاء لا يثبتون له حكمة ولا قصدًا يتصف به، والفريقان لا يثبتون له حكمة ولا مقصودا يعود إليه.