وأرسطو وأتباعه لم يقولوا : إن الفلك مفعول للرب، ولا أنه معلول لعلة فاعلية أبدعت ذاته، بل زعموا أنه قديم واجب بنفسه، وأن له علة غائية يتشبه بها، نحو حركة المعشوق يجب أن يقتدى به، والفلك عندهم يتحرك للتشبه بتلك العلة؛ ولهذا قالوا : الفلسفة : هي التشبه بالإله بحسب الطاقة، وقولهم ـ وإن كان فيه من الكفر والجهل بالله أعظم مما في قول ابن سينا وأتباعه، وفيهم من التناقض في الإلهيات / ما ليس هذا موضع بسطه ـ فلم يتناقضوا في إثبات ممكن قديم كتناقض متأخريهم.
ولهذا لما كانت هذه القضية مستقرة في فطر العقلاء، وكان مجرد العلم والخبر بأن السموات مخلوقة أو مصنوعة أو مفعولة موجبًا للعلم بأنها حادثة، لا يخطر بالفطر السليمة إمكان كونها مفعولة لفاعل فعلها، مع كونها قديمة لم تزل معه؛ ولهذا لم يدع هذا إلا هذه الشرذمة القليلة من المتفلسفة.