ومثل الصابئة الفلاسفة؛ الذين يصفون إنزال الله على رسله بوصف، بعضه حق وبعضه باطل؛ مثل أن يقولوا : إن الرسل تجب طاعتهم، ويجوز أن يسمى ما أتوا به كلام الله، لكنه إنما أنزل على قلوبهم من الروح ـ الذي هو العقل الفعال في السماء الدنيا ـ لا من عند الله، وهكذا ما ينزل على قلوب غيرهم هو أيضًا كذلك، وليس بكلام الله في الحقيقة، وإنما هذا في الحقيقة كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه سمى كلام الله مجازًا. فهؤلاء ـ أيضًا ـ مبعضين مفرقين؛ حيث صدقوا ببعض صفات ما أنزل الله وبعض صفات رسله دون بعض، وربما كان ما كفروا به من الصفات أكثر مما آمنوا به، كما أن ما كفر به اليهود من الكتاب أكثر وأعظم مما آمنوا به، لكن هؤلاء أكفر من اليهود من وجه، وإن كان اليهود أكفر منهم من وجه آخر.
فإن من كان من هؤلاء يهوديا أو نصرانيًا فهو كافر من الجهتين، ومن كان منهم لايوجب اتباع خاتم الرسل، بل يجوز التدين باليهودية والنصرانية فهو أيضًا كافر من الجهتين، فقد يكون أحدهم أكفر من اليهود والنصارى الكافرين بمحمد والقرآن، وقد يكون اليهود والنصارى أكفر ممن آمن منهم بأكثر صفات ما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، لكنهم في الأصل أكفر من جنس اليهود والنصارى؛ فإن أولئك مقرُّون في الأصل بكمال الرسالة والنبوة، وهؤلاء ليسوا مقرين بكمال الرسالة والنبوة. كما أن من كان قديمًا مؤمنًا من اليهود والنصارى صالحًا فهو أفضل ممن كان منهم مؤمنًا صالحًا، وكذلك من كان من المنتسبين إلى الإسلام مؤمنًا ببعض صفات القرآن، وكلام الله وتنزيله على رسله، وصفات رسله دون بعض، فنسبته إلى هؤلاء كنسبة من آمن ببعض نصوص الكتاب والسنة دون بعض إلى اليهود والنصارى.
ومن هنا تتبين الضلالات المبتدعة في هذه الأمة، حيث هي من الإيمان ببعض ما جاء به الرسول دون بعض، وإما ببعض صفات التكليم والرسالة والنبوة دون بعض، وكلاهما إما في التنزيل وإما في التأويل.


الصفحة التالية
Icon