وفي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه كان يقول :( أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء )، فلو قيل : إنه مؤثر تام في الأزل لشيء من الأشياء لزم أن يكون مقارنا له دائمًا، وذلك ينافي كونه مفعولا له، وإنما يصح مثل هذا في الصفة اللازمة للموصوف، فإنه إذا قيل : الذات مقتض تام للصفة كان المعنى أن الذات مستلزمة للصفة، ليس المراد بذلك أن الذات مبدعة للصفة؛ فإنه إذا تصور معنى المبدع امتنع في المقارن بصريح المعقول، سواء سمى علة فاعلة أو خالقًا أو غير ذلك، وامتنع أن يقوم بالأثر شيء من الحوادث؛لأن كل حادث يحدث لا يحدث إلا إذا وجد مؤثره التام عند حدوثه، وإن كانت ذات المؤثر موجودة قبل ذلك، لكن لابد من كمال وجود شروط التأثير عند وجود الأثر / وإلا لزم الترجيح بلا مرجح، وتخلف المعلول عن العلة التامة، ووجود الممكن بدون المرجح التام. وكل هذا ممتنع، فامتنع أن يكون مؤثرًا لشيء من الحوادث في الأزل، وامتنع أن يكون مؤثرًا في الأزل فيما يستلزم الحوادث؛ لأن وجود الملزوم بدون اللازم محال، فامتنع أن يكون المفعول المستلزم للحوادث قديمًا.
وإذا قيل : ذاته مقتضية للحادث الثاني بشرط انقضاء الأول. قيل : فليس هو مقتضيًا لشيء واحد دائمًا، فلا يكون معه قديم من مفعولاته، وقيل ـ أيضًا ـ : هذا إنما يكون إذا كانت لذاته أحوال متعاقبة تختلف المفعولات لأجلها، فأما إذا قدر ألا يقوم بها شيء من الأحوال المتعاقبة، بل حالها عند وجود الحادث كحالها قبله، كان امتناع فعله للحوادث المتعاقبة البائنة أعظم من امتناع فعله لحادث معين، فإذا كان الثاني ممتنعًا عندهم فالأول أولى بالامتناع، ومتى كان للذات أحوال متعاقبة تقوم بها بطلت كل حجة لهم على قدم شيء من العالم، وامتنع ـ أيضًا ـ قدم شيء من العالم إذا كان المفعول لابد له من فاعل، والفعل الحادث لا يكون مفعوله إلا حادثًا، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.