والذين نفوا ذلك رأوا أن نفس اللفظ أو الخط ليس هو الأعيان المسماة بذلك، وآخرون فرقوا بين التسمية والاسم، فجعلوا الألفاظ هي التسمية، وجعلوا الاسم هو الأعيان المسماة بالألفاظ، فخرجوا عن موجب اللغة المعروفة التي جاء بها الكتاب والسنة.
وأصل مقصود الطوائف كلها صحيح، إلا من توسل منهم بقوله إلى قول باطل؛ مثل قول الجهمية : إن الاسم غير المسمى؛فإنهم توسلوا بذلك إلى أن يقولوا : أسماء الله غيره. ثم قالوا : وما كان غير الله فهو مخلوق بائن عنه، فلا يكون الله ـ تعالى ـ سمى نفسه باسم، ولا تكلم باسم من أسمائه، ولا يكون له كلام تكلم به، بل لا يكون كلامه إلا ما كان مخلوقًا بائنًا عنه.
فهؤلاء لما علم السلف أن مقصودهم باطل أنكروا إطلاقهم القول بأن كلام الله غير الله، وأن علم الله غير الله وأمثال ذلك؛ لأن لفظ [ الغير ] مجمل، يحتمل الشيء البائن عن غيره، ويحتمل الشيء الذي ليس هو إياه ولا هو بائن عنه. فمن قال : إنه غيره ليجعله بائنًا عنه، كان كلا المعنيين صحيحًا، وإن كان في العبارة تقصير.
وهكذا أنكر الأئمة قول من قال : لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. وقالوا : من قال : هو مخلوق، فهو جهمي، ومن قال : غير مخلوق فهو مبتدع. وكذلك قالوا في [ التلاوة، والقراءة ] ؛ لأن اللفظ والتلاوة والقراءة يراد بهما المصدر الذي هو فعل العبد، وأفعال العباد مخلوقة، فمن جعل شيئًا من أفعالهم وأصواتهم وغير ذلك من صفاتهم غير مخلوق فهو مبتدع، ويراد بـ [ اللفظ ] نفس الملفوظ، كما يراد بالتلاوة والقراءة نفس الكلام، وهو القرآن نفسه. ومن قال : كلام / الله الذي أنزله على نبيه ﷺ وقرأه المسلمون مخلوق فهو جهمي.