ولهذا كثر ذم السلف لمثل هذا الكلام، وهذا هو أصل الكلام المذموم عند سلف الأمة وأئمتها، وذلك لأن الشيء إذا كان يمكن وجوده ويمكن عدمه فلا يوجد إلا بمقتض يستلزم وجوده، وإن جاز وجوده بدون ذلك أمكن أن تكون المخلوقات ـ التي يمكن وجودها وعدمها- وجدت بلا فاعل، فلابد للممكنات من وجود واجب يحصل به وجودها، ولا تكون مع وجود المقتضى التام محتملة للوجود والعدم، بل يكون وجودها لازمًا حتمًا؛ فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وإذا شاء الرب شيئًا لم يمكن ألاّ يكون، بل يجب كونه بمشيئة الرب- تعالى ــ المستلزمة لقدرته.
قالوا : وإذا كان كذلك، فالحادث الذي يمكن وجوده ويمكن عدمه إذا حدث بدون سبب حادث مع استواء نسبته إلى جميع الأوقات، واستواء نسبة جميع الحوادث والأوقات إلى مشيئة الرب وقدرته لزم من ذلك أن يكون قد تخصص بعض الحوادث بالحدوث، وبعض / الأزمنة بالحدوث، من غير مخصص يقتضى ذلك، ومن غير سبب حادث يقتضي الحدوث.
وهذا، مع أنه فاسد في صريح العقول، فهو يبطل ما استدلوا به على إثبات الصانع، فلابد ـ حينئذ ـ أن يكون لحدوث الحوادث سبب حادث، وحينئذ فما من حادث إلا وهو مسبوق بحادث، وحينئذ فهذا يقتضي أن الله إذا كان متكلمًا بمشيئته وقدرته، أمكن أنه لا يزال متكلمًا بمشيئته وقدرته، ولم يجز أن يصير متكلما بعد أن لم يكن متكلما بحال؛ لأن ذلك يقتضي حدوث الحادث بلا سبب حادث وهو ممتنع، ويقتضي أنه تجدد له من صفات الكمال ما أمكن ثبوته في الأزل، وذلك ممتنع؛ وذلك لأن صفات الكمال التي يمكن اتصاف الرب بها لا يجوز أن يتوقف ثبوتها له على غيره؛ لأنه يلزم أن يكون ذلك الغيرهو المعطي له صفات الكمال، ومعطي غيره صفات الكمال أولى بأن يكون هو الرب ـ تعالى ـ ورب العالمين، الخالق ما سواه، الذي يعطيه صفات الكمال لا يكون غيره ربا له بوجه من الوجوه، سبحانه وتعالى عن ذلك.
وحينئذ فيجب اتصافه بالكلام إذا شاء أزلاً وأبدًا.