لا نزاع بين المسلمين ـ بل وسائر أهل الملل وغيرهم من العقلاء ـ أن الخالق منزه عن سمات الحدوث؛ فإن قدمه ضروري، فيمتنع أن يقوم دليل على حدوثه، و [ السمة ] هي العلامة والدليل. ولكن منازعوك في الصوت والحرف جمهور الخلائق؛ إذ لم يوافق الكلابية على قولهم أحد من الطوائف، لا الجهمية، ولا المعتزلة، ولا الضرارية، ولا النجارية، ولا الكرامية، ولا السالمية، ولا جمهور المرجئة والشيعة، ولا جمهور أهل الحديث والفقه والتصوف، ولا الفلاسفة؛ لا الإلهيون، ولا الطبائعيون على اختلاف أصنافهم.
وخصومهم منهم من يقول : الحروف محدثة مخلوقة في محل منفصل عن الله، كما يقولون هم ذلك، لكن يقولون : هذا كلام الله ليس لله / كلام غيره، كما أجمع المسلمون على أن هذا كلام الله، بل أجمعت الأمم على أن الكلام لا يعقل إلا كذلك.
فإن قلتم : هذا هو كلام الله، لزمكم أن يكون كلامه مخلوقًا، وإن قلتم : ليس ذلك كلام الله، خالفتم المعلوم بالاضطرار من الشرع واللغة، وإن قلتم : نسمي هذا كلام الله، وهذا كلام الله، كلاهما حقيقة بطريق الاشتراك اللفظي. قيل لكم : فإذا ثبت أن الكلام المخلوق في غيره هو كلام له حقيقة، بطل أصل حجتكم، التي احتججتم بها، حيث قلتم : الكلام لا يكون كلامًا إلا لمن قام به، ولا يكون المتكلم متكلما بكلام يحل في غيره.
وقالوا لكم ـ أيضًا ـ : إثبات المعنى الذي أثبتموه غير هذه الحروف، والأصوات يحتاج إلى إثبات وجوده، ثم إثبات قدمه، ثم إثبات حدوثه، وكل من هذه المقامات أنتم فيها منقطعون، كما هو مبسوط في موضعه، وكما اعترف بذلك فضلاء هذه المقالة.