وأما قوله : من قال : لفظي عين كلام الله، فقد انسلخ عن ربقة العقل، وغرق في بحر العماية والجهل. فيقال : قول القائل : لفظي عين كلام الله، كلام مجمل؛ فإن [ اللفظ ] في الأصل مصدر لفظ يلفظ لفظِا، كما أن [ التلاوة، والقراءة ] في الأصل مصدر تلا يتلو، وقرأ يقرأ، ويعبر باللفظ والتلاوة، والقراءة عن نفس الكلام الملفوظ به، المتلو المقروء.
فإن الناس إذا قالوا : اللفظ يدل على المعنى، لم يريدوا باللفظ المصدر، بل يريدون به الملفوظ به، وإذا قالوا لمن سمعوه يتكلم : هذه ألفاظ حسنة، أرادوا به ما يلفظه، كما قال تعالى :﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٨ ] يراد باللفظ نفس الفعل، وقد يراد به نفس القول الذي لفظه اللافظ. وهذا كـ [ القرآن ] قد يراد به المصدر، وقد يراد به الكلام المقروء، وقال تعالى :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [ القيامة : ١٧، ١٨ ] والقرآن هنا مصدر، كما في الآية عن ابن عباس، قال : علينا أن نجمعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك، فإذا قرأه جبريل فاستمع لقراءته، ثم إن علينا أن نبينه.
وقد يراد بـ [ القرآن ] نفس الكلام المقروء، كما قال :﴿ وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٤ ]، وقوله :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ]، وقال تعالى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [ الحشر : ٢١ ]، وقال تعالى :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ] ونظائره كثيرة.