ثم هؤلاء منهم من ينكر تكلم الله بالصوت. ومنهم من يقر بذلك، بل منهم من يقول : إن الصوت المسموع هو الصوت القديم، وينكرون مع ذلك على من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق، لظنهم أن الكراهة / في ذلك لما فيه من الطرح والرمي، وليس الأمر على ما ظنوه؛ فإن الإمام أحمد وغيره من الأئمة لم ينكروا قول القائل : لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق لكون اللفظ الطرح؛ فإنه لو كان كذلك لما أنكروا إلا مجرد ما يتصرف من حروف لفظ يلفظ، وليس كذلك، بل أنكروا على من قال : التلاوة والقراءة مخلوقة، وعلى من قال : تلاوتي وقراءتي غير مخلوقة، مع جواز قول المسلمين : قرأت القرآن وتلوته.
وأيضًا، فإنه يجوز أن يقال : لفظت الكلام وتلفظت به، كما قال تعالى :﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٨ ]، ولكن الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة قالوا : من قال : لفظي بالقرآن وتلاوتي أو قراءتي مخلوقة فهو جهمي. ومن قال : إنه غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأن [ اللفظ ] و [ التلاوة ] و [ القراءة ] يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ومصدر قرأ يقرأ قراءة، وتلا يتلو تلاوة، ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته، ليس هو بقديم باتفاق سلف الأمة وأئمتها، حتى القدرية القائلون بأن أفعال العباد غير مخلوقة. يقولون : إن ذلك ليس بقديم. ويقولون : إنه مخلوق لله.
والسلف والأئمة ـ كحماد بن زيد، والمعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل وغيرهم ـ أنكروا على من قال : إن / أقوال العباد وأفعالهم غير مخلوقة، وقال يحيى بن سعيد : ما زلت أسمع أصحابنا يقولون : إن أفعال العباد مخلوقة، وقال بعض هؤلاء : من قال : إن هذا غير مخلوق، فهو بمنزلة من قال : إن سماء الله وأرضه غير مخلوقة.


الصفحة التالية
Icon