وثانيها : ألا يكون واجب الوجود أكثر من واحد، ولو كان أكثر من واحد لاشتركا في الوجوب، وتباينا في التعيين، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم كون كل واحد منهما مركبًا في نفسه، وقد فرضناه فردًا هذا خالف اللازم الثاني؛ لكونه واجب الوجود لذاته ألا يكون حالا ولا محلا، والأفعال الافتقار هى.
قلت : ولقائل أن يقول : هذا هو أصل الفلاسفة في التوحيد، الذي نفوا به صفاته ـ تعالي ـ وهو ضعيف جدًا.
والأصل الذي بنوا عليه ذلك ضعيف جدًا، وإن كان اشتبه على كثير من المتأخرين.
وقولهم : إن الواجب لا يكون إلا واحدًا، قصدوا به أنه ليس له علم ولا قدرة، ولا حياة ولا كلام يقوم به، ولا شيء من الصفات القائمة به؛ لأنه لو كان كذلك لكان الواجب أكثر من واحد، كما يقوله المعتزلة : إنه ليس له صفات قديمة قائمة بذاته؛ لأنه لو كان كذلك لكان القديم أكثر من واحد.
ولفظ [ الواجب، والقديم ] يراد به الإله الخالق ـ سبحانه ـ الواجب الوجود القديم، فهذا ليس إلا واحدًا، ويراد به صفاته الأزلية، وهي قديمة واجبة بتقدم الموصوف، ووجوبه لم يجب أن تكون مماثلة له، ولا تكون إلهًا، كما أن صفة النبي ليست بنبي، وصفة الإنسان والحيوان ليست بإنسان ولا حيوان، وكما أن صفة المحدث إن كانت محدثة فموافقتها له في الحدوث لا يقتضى مماثلتها له، وما ذكروا من الحجة على ذلك ضعيفة.
فإذا قالوا : لو كان له علم واجب بوجوب العالم لكان الواجب أكثر من واحد. قيل له : ولم قلتم بامتناع كون الواجب أكثر من واحد؛ إذ كانت الذات الواجبة إلهًا واحدًا، موصوفا بصفات الكمال.
قولهم : لو كان أكثر من واحد لاشتركا في الوجوب، وتباينا في التعيين، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم أن يكون كل منهما مركبًا في نفسه، وقد فرضناه، فرد هذا خلق.