فهؤلاء جعلوا القرآن عَضِين [ أي : أجزاء متفرقة، بعضه شعر، وبعضه سحر، وبعضه كهانة، ونحو ذلك ]، وضربوا له الأمثال؛ مثل ما فعل المشركون قبلهم، كما فعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هؤلاء منهم من يفضل الولى الكامل والفيلسوف الكامل على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يفضل بعض الأولياء على زعمه، أو بعض الفلاسفة : ـ مثل نفسه أو شيخه أو متبوعه ـ على النبي ﷺ. وربما قالوا : هو أفضل من وجه، والنبي أفضل من وجه، فلهم من الإلحاد والافتراء في رسل الله نظير ما لهم من الإلحاد والافتراء في رسالات الله، فيقيسون الكلام الذي بلغته الرسل عن الله بكلامهم، ويقيسون رسل الله بأنفسهم.
وقد بين الله حال هؤلاء في مثل قوله :﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ﴾ إلى أن قال :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ ﴾ [ الأنعام : ٩١-٩٣ ] فذكر الله إنزال الكتابين، اللذين لم ينزل من عند الله كتاب أهدى منهما ـ التوراة والقرآن ـ كما جمع بينهما في قوله :﴿ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ القصص : ٤٨، ٤٩ ].


الصفحة التالية
Icon