فصل
وأما قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [ التكوير : ١٩ ] فهذا قد ذكره في موضعين، فقال في الحاقة :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الحاقة : ٤٠ ـ ٤٢ ] فالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقال في التكوير :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾ [ التكوير : ١٩ ـ ٢٣ ] فالرسول هنا جبريل، فأضافه إلى الرسول من البشر تارة، وإلى الرسول من الملائكة تارة، باسم الرسول، ولم يقل : إنه لقول ملك ولا نبي؛ لأن لفظ الرسول يبين أنه مبلغ / عن غيره لا منشئ له من عنده ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [ النور : ٥٤، العنكبوت : ١٨ ]، فكان قوله :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ بمنزلة قوله : لتبليغ رسول، أو مبلغ من رسول كريم، أو جاء به رسول كريم، أو مسموع عن رسول كريم؛ وليس معناه : أنه أنشأه، أو أحدثه، أو أنشأ شيئًا منه، أو أحدثه رسول كريم؛ إذ لو كان منشئًا لم يكن رسولا فيما أنشأه وابتدأه، وإنما يكون رسولا فيما بلغه وأداه، ومعلوم أن الضمير عائد إلى القرآن مطلقًا.
وأيضًا، فلو كان أحد الرسولين أنشأ حروفه ونظمه، امتنع أن يكون الرسول الآخر هو المنشئ المؤلف لها، فبطل أن تكون إضافته إلى الرسول لأجل إحداث لفظه ونظمه، ولو جاز أن تكون الإضافة هنا لأجل إحداث الرسول له أو لشيء منه، لجاز أن نقول : إنه قول البشر، وهذا قول [ الوحيد ] الذي أصلاه الله سَقَر.
فإن قال قائل : فالوحيد جعل الجميع قول البشر، ونحن نقول : إن الكلام العربي قول البشر، وأما معناه فهو كلام الله.
فيقال لهم : هذا نصف قول الوحيد، ثم هذا باطل من وجوه أخرى :