وإن قال : كلام المبلغ عنه، علم أن الرسول المبلغ للقرآن ليس القرآن كلامه ولكنه كلام الله؛ ولكن لما كان الرسول الملك قد يقال : إنه شيطان بين الله أنه تبليغ ملك كريم، لا تبليغ شيطان رجيم؛ ولهذا قال :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ﴾ إلى قوله :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [ التكوير : ١٩ـ ٢٥ ] وبين في هذه الآية أن الرسول البشري الذي صحبناه وسمعناه منه ليس بمجنون، وما هو على الغيب بمتهم. وذكره باسم [ الصاحب ] لما في ذلك من النعمة به علينا، إذ كنا لا نطيق أن نتلقى إلا عمن صحبناه وكان من جنسنا، كما قال تعالى :﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] وقال :﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ [ الأنعام : ٩ ]. كما قال في الآية الأخرى :﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [ النجم : ١، ٢ ] وبين أن الرسول الذي من أنفسنا والرسول الملكي، أنهما مبلغان، فكان في هذا تحقيق أنه كلام الله.