ومسألة القرآن لها طرفان : أحدهما : تكلم الله به وهو أعظم الطرفين. و الثاني : تنزيله إلى خلقه. والكلام في هذا سهل بعد تحقيق الأول. وقد بسطنا الكلام في ذلك في عدة مواضع، وبينا مقالات أهل الأرض كلهم في هذه المسائل، وما دخل في ذلك من الاشتباه، ومأخذ كل طائفة، ومعنى قول السلف : القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنهم قصدوا به إبطال قول من يقول : إن الله لم يقم بذاته كلام؛ ولهذا قال الأئمة : كلام الله من الله ليس ببائن عنه، وذكرنا اختلاف المنتسبين إلى السنة، هل يتعلق الكلام بمشيئته وقدرته أم لا ؟ وقول من قال من أئمة السنة : لم يزل الله متكلمًا إذا شاء، وأن قول السلف : منه بدأ، لم يريدوا به أنه فارق ذاته وحل في غيره؛ فإن كلام المخلوق، بل وسائر صفاته، لا تفارقه وتنتقل إلى غيره، فكيف يجوز أن يفارق ذات الله كلامه أو غيره من صفاته ؟ ! بل قالوا : منه بدأ، أي : هو المتكلم به ردًا على المعتزلة والجهمية وغيرهم، الذين قالوا : بدأ من المخلوق الذي خلق فيه. وقولهم : إليه يعود، أي يسري عليه، فلا يبقى في المصاحف منه حرف، ولا في الصدور منه آية.
والمقصود هنا الجواب عن مسائل السائل.


الصفحة التالية
Icon