فمن ظن أن الموصوف بالمجيء والإتيان هو لفظ زيد أو لفظ عمرو كان مبطلا، فكذلك إذا قال القائل : هذا كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، فالمقصود هنا الكلام نفسه من حيث هو هو، وإن كان إنما ظهر وسمع بواسطة حركة التالي وصوته، فمن ظن أن المشار إليه هو صوت القارئ وحركته كان مبطلا؛ ولهذا لما قرأ أبو طالب المكي على الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [ سورة الإخلاص ] وسأله : هل هذا كلام الله، وهل هو مخلوق ؟ فأجابه بأنه كلام الله، وأنه غير مخلوق، فنقل عنه أبو طالب ـ خطأ منه ـ أنه قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق، فاستدعاه وغضب عليه، وقال : أنا قلت لك : لفظي بالقرآن غير مخلوق ؟ قال : لا، ولكن قرأت عليك :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ وقلت لك : هذا غير مخلوق، فقلت : نعم، قال : فلم تحكي عني ما لم أقل ؟ لا تقل هذا؛ فإن هذا لم يقله عالم ـ وقصته مشهورة حكاها عبد الله وصالح وحنبل والمروزي وفوران، وبسطها الخلال في كتاب [ السنة ] وصنف المروزي في [ مسألة اللفظ ] مصنفًا ذكر فيه أقوال الأئمة.
وهذا الذي ذكره أحمد من أحسن الكلام وأدقه؛ فإن الإشارة إذا أطلقت انصرفت إلى المقصود وهو كلام الله الذي تكلم به، لا إلى /ما وصل به إلينا من أفعال العباد وأصواتهم. فإذا قيل : لفظي، جعل نفس الوسائط غير مخلوقة، وهذا باطل، كما أن من رأى وجهًا في مرآة فقال : أكرم الله هذا الوجه وحياه، أو قبحه، كان دعاؤه على الوجه الموجود في الحقيقة الذي رأى بواسطة المرآة لا على الشعاع المنعكس فيها، وكذلك إذا رأى القمر في الماء فقال : قد أبدر أو لم يبدر، فإنما مقصوده القمر الذي في السماء لا خياله، وكذلك من سمعه يذكر رجلا فقال : هذا رجل صالح أو رجل فاسق علم أن المشار إليه هو الشخص المسمى بالاسم، لا نفس الصوت المسموع من الناطق. فلو قال : هذا الصوت أو صوتي بفلان صالح أو فاسق فسد المعنى.


الصفحة التالية
Icon