ولهذا يقال : فلان ينقل علم فلان، وينقل كلامه، ويقال : العلم الذي كان عند فلان صار إلى فلان وأمثال ذلك، كما يقال : نقلت ما في الكتاب ونسخت ما في الكتاب، أو نقلت الكتاب أو نسخته، وهم لا يريدون أن نفس الحروف التي في الكتاب الأول عدمت منه وحلت في الثاني، بل لما كان المقصود من نسخ الكتاب من الكتب ونقلها من جنس نقل العلم والكلام، وذلك يحصل بأن يجعل في الثاني /مثل مافي الأول، فيبقى المقصود بالأول منقولا منسوخًا وإن كان لم يتغير الأول، بخلاف نقل الأجسام وتوابعها؛ فإن ذلك إذا نقل من موضع إلى موضع زال عن الأول.
وذلك لأن الأشياء لها وجود في أنفسها وهو وجودها العيني، ولها ثبوتها في العلم، ثم في اللفظ المطابق للعلم، ثم في الخط. وهذا الذي يقال : وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان؛ وجود عيني، ووجود علمي، ولفظي، ورسمي؛ ولهذا افتتح الله كتابه بقوله تعالى :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ العلق : ١ ـ ٥ ]، فذكر الخلق عمومًا وخصوصًا، ثم ذكر التعليم عمومًا وخصوصًا، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق العلم، والعلم هو المطابق للمعلوم.


الصفحة التالية
Icon