والمقصود هنا أن نفس الموجودات وصفاتها إذا انتقلت من محل إلى محل حلت في ذلك المحل الثاني، وأما العلم بها والخبر عنها فيأخذه الثاني عن الأول مع بقائه في الأول، وإن كان الذي عند الثاني هو نظير ذلك ومثله، لكن لما كان المقصود بالعلمين واحدًا في نفسه صارت وحدة المقصود توجب وحدة التابع له والدليل عليه، ولم يكن للناس غرض في تعدد التابع، كما في الاسم مع المسمى؛ فإن اسم الشخص وإن ذكره أناس متعددون ودعا به أناس متعددون فالناس يقولون : إنه اسم واحد لمسمى واحد، فإذا قال المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله،/أشهد أن محمدًا رسول الله، وقال ذلك هذا المؤذن وهذا المؤذن، وقاله غير المؤذن، فالناس يقولون : إن هذا المكتوب هو اسم الله واسم رسوله، كما أن المسمى هو الله ورسوله.
وإذا قال :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [ العلق : ١ ] وقال :﴿ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ ﴾ [ هود : ٤١ ] وقال :﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [ الأعلى : ١ ] وقال :﴿ بِسْمِ اللّهِ ﴾ ففي الجميع المذكور هو اسم الله وإن تعدد الذكر والذاكر، فالخبر الواحد من المخبر الواحد من مخبره، والأمر الواحد بالمأمور به من الآمر الواحد بمنزلة الاسم الواحد لمسماه، هذا في المركب نظير هذا في المفرد، وهذا هو واحد باعتبار الحقيقة وباعتبار اتحاد المقصود وإن تعدد من يذكر ذلك الاسم والخبر، وتعددت حركاتهم وأصواتهم وسائر صفاتهم.