فلما كان هذا حال هذه الصابئة المبتدعة الضالة، ومن أضلوه من اليهود والنصارى، وكان قد اتصل كلامهم ببعض من لم يهد بهدى الله، الذي بعث به رسله، من أهل الكلام والجدل، صاروا يريدون أن يأخذوا مأخذهم، كما أخبر النبي ﷺ بقوله :( لتأخذن مأخذ الأمم قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع ) قالوا : يا رسول الله، فارس والروم ؟ ! قال :( ومن الناس إلا فارس والروم ؟ ! ) فاحتجوا على حدوث العالم بنحو من مسالك هذه الصابئة، وهو الكلام في الأجسام والأعراض، بأن تثبت الأعراض ثم يثبت لزومها للأجسام ثم حدوثها، ثم يقال : ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، واعتمد كثير من أهل الجدل على هذا في إثبات حدوث العالم، فلما رأوا أن الأعراض ـ التي هي الصفات ـ تدل عندهم على حدوث الموصوف الحامل للأعراض التزموا نفيها عن الله؛ لأن ثبوتها مستلزم حدوثه، وبطلان دليل حدوث العالم ـ الذي اعتقدوا ألا دليل سواه، بل ربما اعتقدوا أنه لا يصح إيمان أحد إلا به ـ معلوم بالاضطرار من دين الإسلام.


الصفحة التالية
Icon