فلما عرف السلف حقيقته، وأنه مُضَاهٍ لقول المتفلسفة المعطلة الذين يقولون : إن الله ـ تعالى ـ لم يتكلم، وإنما أضافت الرسل إليه الكلام بلسان الحال كَفَّروهم وبينوا ضلالهم، ومما قالوا لهم : إن المنادي عن غيره ـ كمنادي السلطان ـ يقول : أمر السلطان بكذا، خرج مرسومه بكذا، لا يقول : إني آمركم بكذا وأنهاكم عن كذا، والله ـ تعالى ـ يقول في تكليمه لموسى :﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [ طه : ١٤ ] ويقول تعالى ـ إذا نزل ثلث الليل الغابرـ :( من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ؟ )، وإذا كان القائل ملكا قال ـ كما في الحديث الذي في الصحيحين ـ :( إذا أحب الله العبد نادى في السماء : يا جبريل، إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، وينادي في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض )، فقال جبريل في ندائه عن الله تعالى :( إن الله يحب فلانا فأحبوه )، وفي نداء الرب يقول :( من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ ).
فإن قيل : فقد روى أنه يأمر مناديا فينادي، قيل : هذا ليس في الصحيح، فإن صح أمكن الجمع بين الخبرين بأن ينادي هو ويأمر مناديا ينادي، أما أن يعارض بهذا النقل النقل الصحيح المستفيض الذي اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول، مع أنه صريح في أن الله تعالى هو الذي يقول :( من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ؟ [ فلا يجوز.
وكذلك جَهْم كان ينكر أسماء الله ـ تعالى ـ فلا يسميه شيئًا ولا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز، قال : لأنه إذا سمى باسم تسمى به المخلوق كان تشبيهًا، وكان جهم [ مجبرًا ] يقول : إن العبد لا يفعل شيئًا؛ فلهذا نقل عنه أنه سمى الله قادرًا؛ لأن العبد عنده ليس بقادر.