هذا مع أن أهل السنة يقولون : إن العبد له مشيئة وقدرة وإرادة، وهو فاعل لفعله حقيقة، وينهون عن إطلاق [ الجبر ] ؛ فإن لفظ [ الجبر ] يشعر أن الله أجبر العبد علي خلاف مراد العبد، كما تجبر المرأة علي النكاح؛ وليس كذلك، بل العبد مختار يفعل باختياره ومشيئته ورضاه ومحبته، ليس مجبورًا عديم الإرادة، والله خالق هذا / كله؛ فإن هذه الأمور من المحدثات الممكنات، فالدلالة علي أن الله خالقها كالدلالة علي أنه خالق غيرها من المحدثات، وليس هذا موضع الكلام علي هذا، فإن ذلك له موضع آخر.
وإنما الغرض هنا أن الأئمة ردوا علي من جعل أقوال العباد وأفعالهم خارجة عن خلق الله، وجعلوا ذلك بمنزلة من جعل السماء والأرض ليس مخلوقة لله. هذا مع أن أولئك المبتدعين كانوا يقولون : إنها محدثة ليست قديمة، فكيف إذا قيل : إنها قديمة ؟ ! فإن ذلك يصير ضلالين بل ثلاث ضلالات :
أحدها : جعل المحدث المصنوع صفة لله قديمة، مضاهاة للنصاري ونحوهم.
والثاني : إخراج مخلوق الله ومقدوره عن خلقه وقدرته، كما قالته القدرية، مضاهاة للمجوس ونحوهم.
والثالث : إخراج فعل العبد ومقدوره، وكسبه عن أن يكون مقدورًا له وكسبًا وفعلا، مضاهاة للجبرية القدرية المشركية، فهذا كان وجه كلام أولئك الأئمة في هذا.


الصفحة التالية
Icon