وبهذه [ الطريقة ] جاء القرآن، وهي طريقة سلف الأمة وأئمتها؛ فإن الله ـ سبحانه ـ لا يماثله شيء من الموجودات في [ قياس التمثيل ]، ولا أن يدخل في [ قياس شمول ] تتماثل أفراده، بل ما ثبت لغيره من الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه فهو أحق به، وما نزه عنه غيره من النقائص فهو أحق بالتنزيه منه، كما قال تعالى :﴿ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ﴾ [ النحل : ٦٠ ]، وقال تعالى :﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [ الروم : ٢٨ ].
وقد بسطنا الكلام علي هذا في غير هذا الموضع، وبينا أن ما يستفاد بـ [ القياس الشمولي ] في عامة الأمور قد يستفاد بدون ذلك، فتعلم أحكام الجزئيات الداخلة في القياس بدون معرفة حكم القضية الكلية، كما إذا قيل : الكل أعظم من الجزء، والضدان لا يجتمعان، فما من كل معين وضدين معينين إلا وإذا علم أن هذا جزء هذا، وأن هذا ضد هذا، علم أن هذا أعظم من هذا، وأن هذا لا يجامع هذا، / بدون أن يخطر بالبال قضية كلية أن كل ضدين لا يجتمعان، وأن كلَّ كلٍّ فهو أعظم من جزء، وكذلك إذا قيل : النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فما من نقيضين يعرف أنهما نقيضان إلا ويعرف أنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان، بدون أن يستحضر أن كل نقيضين لا يجتمعان، ولا يرتفعان.