ورأيت بخط القاضي أبي يعلى ـ رحمه الله ـ على ظهر [ كتاب العدة ] بخطه، قال : نقلت من آخر [ كتاب الرسالة ] للبخاري في أن القراءة غير المقروء، وقال : وقع عندي عن أحمد بن حنبل على اثنين وعشرين وجهًا كلها يخالف بعضها بعضًا، والصحيح عندي أنه قال : ما سمعت عالما يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق. قال : وافترق أصحاب أحمد ابن حنبل على نحو من خمسين. قال أبو عبد الله البخاري : قال ابن حنبل :[ اللفظي ] الذي يقول : القرآن بألفاظنا مخلوق.
وكان ـ أيضًا ـ قد نبغ في أواخر عصر أبي عبد الله من الكلابية ونحوهم ـ أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيها نوع من البدعة ؛ لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية ـ نفاة الصفات والعلو ـ من الدلائل والحجج وبسط القول ما بين به فضله / في هذا الباب، وإفساده لمذاهب نفاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب، وصار ما ذكره معونة ونصيرًا وتخليصًا من شبههم لكثير من أولى الألباب، حتى صار قدوة وإماما لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات، وناقضوا نفاتها، وإن كانوا قد شركوهم في بعض أصولهم الفاسدة، التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول، ومخالفته لسنة الرسول.
وكان ممن اتبعه الحارث المحاسبي، وأبو العباس القلانسي، ثم أبو الحسن الأشعري، وأبو الحسن بن مهدي الطبري، وأبو العباس الضبعي، وأبو سليمان الدمشقي، وأبو حاتم البستي، وغير هؤلاء المثبتين للصفات المنتسبين إلى السنة والحديث، المتلقبين بنظار أهل الحديث.


الصفحة التالية
Icon