والكلام في الورق ليس هو فيه كما تكون الصفة بالموصوف / والعَرَض بالجوهر، بحيث تصير صفة له، ولا هو فيه كما يكون الجسم في الحيز الذي انتقل إليه من حيز آخر، ولا هو فيه كمجرد الدليل المحض بمنزلة العالم الذي هو دليل على الصانع، بل هو قسم آخر معقول بنفسه، ولا يجب أن يكون لكل موجود نظير يطابقه من كل وجه، بل الناس بفطرهم يفهمون معنى كلام المتكلم في الصحيفة، ويعلمون أن كلامه الذي قام به لم يفارق ذاته ويحل في غيره، ويعلمون أن ما في الصحيفة ليس مجرد دليل على معنى في نفسه ابتداء، بل ما في الصحيفة مطابق للفظه، ولفظه مطابق لمعناه، ومعناه مطابق للخارج، وقد يعلم ما في نفسه بأدلة طبعية، وبحركات إرادية لم يقصد بها الدلالة، ولا يقول أحد : إن ذلك الكلام للمتكلم مثل كلامه المسموع منه، فلو كان الكلام إنما سمى بذلك لمجرد الدلالة لشاركه كل دليل. وسنتكلم إن شاء الله ـ تعالى ـ على ذلك.
ولو كان ما في المصحف وجب احترامه لمجرد الدلالة، وجب احترام كل دليل، بل الدال على الصانع وصفاته أعظم من الدال على كلامه، وليست له حرمة كحرمة المصحف، والدال على المعنى القائم بنفس الإنسان قد يعلم تارة بغير اختياره، وقد يعلم بأصوات طبعية، كالبكاء، وقد يعلم بحركات لم يقصد بها الدلالة، وقد يعلم بحركات يقصد بها الدلالة كالإشارة، وقد يعلم باللفظ الذي تقصد به الدلالة.