وكذلك في [ اليقظة ]، فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال :( قد كان في الأمم قبلكم مُحَدَّثُون، فإن يكن في أمتي فعُمَرُ )، وفي رواية في الصحيح :( مكلمون )، وقد قال تعالى :﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [ المائدة : ١١١ ]، وقال تعالى :﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [ القصص : ٧ ]، بل قد قال تعالى :﴿ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ﴾ [ فصلت : ١٢ ]، وقال تعالى :﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ [ النحل : ٦٨ ].
فهذا الوحي يكون لغير الأنبياء، ويكون يقظة، ومنامًا، وقد يكون بصوت هاتف، يكون الصوت في نفس الإنسان، ليس خارجًا عن نفسه يقظة ومنامًا، كما قد يكون النور الذي يراه أيضًا في نفسه.
فهذه الدرجة من الوحي ـ التي تكون في نفسه من غير أن يسمع صوت ملك- في أدنى المراتب وآخرها، وهي أولها باعتبار السالك، وهي التي أدركتها عقول الإلهيين من فلاسفة الإسلام الذين فيهم إسلام وصُبُوء [ أي : خروج من الدِّين ]، فآمنوا ببعض صفات الأنبياء والرسل ـ وهو قدر مشترك بينهم وبين غيرهم ـ ولكن كفروا بالبعض، فتجد بعض / هؤلاء يزعم أن النبوة مكتسبة، أو أنه قد استغنى عن الرسول، أو أن غير الرسول قد يكون أفضل منه، وقد يزعمون : أن كلام الله لموسى كان من هذا النمط، وأنه إنما كلمه من سماء عقله، وأن الصوت الذي سمعه كان في نفسه، أو أنه سمع المعنى فائضًا من العقل الفعال، أو أن أحدهم قد يصل إلى مقام موسى.


الصفحة التالية
Icon